INSIGHTS

سلطة المحكمة في ندب خبير لا يتفق تخصصه مع طبيعة النزاع المعروض عليها في ضوء حكم محكمة التمييز القطريةفي الطعن رقم 110 لسنة 2021

February 27, 2022

كتابة: د. أشرف الفيشاوي، شريك.
أحمد عبدالغني طاهر، محام أول.

أرست الدائرة المدنية بمحكمة التمييز من خلال حكمها الصادر بجلسة 26/5/2021 في الطعن رقم 110 لسنة 2021 تمييز مدني، مبدئاً هاماً في خصوص مدى تقيد المحكمة بندب خبير يتفق تخصصه مع طبيعة النزاع المعروض عليها.

حيث انتهت المحكمة إلى ضرورة تقيد المحكمة بأن تندب الخبير الذي يتفق تخصصه مع طبيعة النزاع المعروض عليها، خاصة في الحالات التي لا تستطيع أن تدلو بدلوها فيها لكونها من المسائل الفنية البحتة، التي لا سبيل لتكوين الرأي بشأنها من خلال أدلة أخرى مطروحة بالدعوى.

وقد بنت المحكمة هذا المبدأ على ما قررته بأنه وإن كان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم في الدعوى، وأن لها أن تجزم بما لم يقطع به الخبير، إلا أن ذلك مشروط بأن تكون وقائع الدعوى مُؤيدة له وأن تكون المحكمة مُستطيعة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء الرأي في هذه المسألة، طالما لم تكن هذه المسألة من المسائل الفنية البَحتة.

وأن دفع الخصم أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بأن طبيعة النزاع هندسية بَحتة، وتحتاج لندب خبير مُتخصص في مجال التصاميم الهندسية ليكون لديه القدرة الفنية على أداء دوره الفني في مساعدة المحكمة للوصول إلى وجه الحق في النزاع، هو دفاع جوهري، وفي محله، لأن ندب خبير حسابي لمباشرة مثل هذا النزاع لا يؤدي إلى الوصول إلى نتائج صحيحة لأن الخبير الحسابي لا يُمكنه أداء هذا الدور لعدم تخصصه أو درايته بالمسائل الهندسية محل الخلاف بين الطرفين، والمحكمة ذاتها لا تستطيع أن تشق طريقها لإبداء الرأي فيه بنفسها، ودون الاستعانة بمُتخصص في مجال الخبرة الهندسية.

وأكدت محكمة التمييز أن طلب ندب خبير مُتخصص في مجال التصاميم الهندسية هو من وسائل الإثبات الجائزة قانوناً، وأن التفات الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع ورفض طلب الطاعنة بشأنه لتحقيق دفاعها، وهو دفاع جوهري قد يتغيَّر به وجه الرأي في الدعوى، هو أمر يعيب الحكم المطعون فيه بما يُوجِب تمييزه لهذا لسبب، وهو ما انتهت معه المحكمة إلى تمييز الحكم المطعون فيه لهذا السبب.

وقد كانت وقائع النزاع محل هذا الحكم تخلص في أن الطاعنة أقامت دعواها الابتدائية ضد الشركة المطعون ضدها، بطلب الحكم لها بمبلغ يُناهز التسعة ملايين دولار أمريكي بالإضافة إلى تعويض الطاعنة التعويض الجابر للأضرار التي لحقت بها. وكان هذا المبلغ مقابل ما قدمته الطاعنة للمطعون ضدها من خدمات استشارية هندسية في مجال التصاميم الهندسية بموجب الاتفاقية المٌوقعة بينهما في عام 2009 بشأن تصميمات مرحلة ما قبل التعاقد الخاصة بإنشاء أحد أكبر الأبراج بمدينة لوسيل القطرية، وقامت الطاعنة بمباشرة أعمالها الهندسية الخاصة بالتصميمات المطلوبة، ولاحقاً عُدلت الاتفاقية بإضافة أعمال أخرى، وحصل خلاف بشأن الأعمال المقدمة من الطاعنة، وكان قد ترتَب لها مبلغ المطالبة المذكور أعلاه، وفوجئت الطاعنة بإنهاء الاتفاقية من جانب المطعون ضدها، فطالَبت الطاعنة بمستحقاتها المذكورة إلا أن المطعون ضدها رفضت أداء المبلغ المطلوب وعرَضت مبلغ أقل بكثير عن المبلغ المستحق للطاعنة، فأقامت الطاعنة دعواها الابتدائية أمام محكمة اول درجة بطلباتها سالفة البيان.

وعلى الرغم مِن أن الخِلاف بين الطاعنة والمطعون ضدها يتعلق بالأعمال الهندسية محل الاتفاقية، وهو ما كان يستوجِب ندب خبير هندسي مُتخصص في الدعوى، إلا أن محكمة أول درجة انتدبت خبيراً حسابياً في الدعوى، على الرغم من مُطالبة الطاعنة بأن يكون الخبير هندسياً ومتخصصاً في أعمال التصميمات الهندسية ليتمكن من أداء مأموريته.

أودَع الخبير الحسابي المُنتدب، تقريره، وانتهى فيه استناداً إلى بعض الفواتير إلى استحقاق الطاعنة لمبلغ أقل من مليون ريال في ذمة المطعون ضدها وقال إن الطاعنة فشلت في تنفيذ أعمالها على الوجه الصحيح. اعترضت الطاعنة على التقرير لعدم تمكن الخبير صاحب الخبرة الحسابية من تحقيق عناصر النزاع الهندسي البحت، وطلبت الطاعنة من محكمة أول درجة ندب خبير هندسي متخصص لتحقيق دفاعها إلا أن محكمة أول درجة التفتت عن طلب الطاعنة ورأت في تقرير الخبير الحسابي ما يكفي لتكوين عقيدتها، وأصدرت المحكمة حُكمها الابتدائي بناء على تقرير الخبير الحسابي غير المتخصص في مجال النزاع محل الدعوى، حيث ألزمت المطعون ضدها بالمبلغ الزهيد الذي توصَّل إليه الخبير الحسابي.

استأنفت الطاعنة ذلك الحكم، واستأنفته كذلك المطعون ضدها، وتم ضم الاستئنافين للارتباط، وكان نعي الطاعنة الرئيس في صحيفة استئنافها هو تعييب الحكم لمخالفته لصحيح القانون والخطأ في تطبيقه وفساده في الاستدلال لاعتماده على تقرير خبير غير مُتخصص في المجال موضوع الدعوى، والتفاته عن طلب ندب خبير هندسي متخصص، إلا أن محكمة الاستئناف رفضت الاستئنافين بما فيهما استئناف الطاعنة، وأيَدّت حكم محكمة أول درجة على عِلاته.

فما كان من الطاعنة إلا اللجوء إلى محكمة التمييز، بمُوجَب طعنها محل التعليق رقم 110/2021 تمييز مدني، وأسسَّت الطعن على خطأ محكمة الاستئناف في تطبيق القانون ومخالفتها له وقصور الحكم في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وذلك عندما سايَرت محكمة الاستئناف محكمة أول درجة بتأييد حُكمها الصادر استناداً لتقرير خبير مُحاسَبي، وليس مهندس متخصص على الرغم من أن النزاع بين الطرفين يتعلق بأعمال تصاميم هندسية لا يمكن لغير المُتخصص فهمها وإبداء الرأي فيها.

عُرض الطعن على محكمة التمييز في غرفة المشورة، ورأت المحكمة إنه جدير بالنظر، وحددت جلسة 26/05/2021 لنظره، وبهذه الجلسة الأخيرة أصدرت محكمة التمييز حُكمها “محل التعليق” بتمييز الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة الاستئناف لتنظرها بهيئة مُغايرة. وقد أكد حكم محكمة التمييز صحة نعي الطاعنة المُشار إليه أعلاه، ووضعت محكمة التمييز بهذا الحكم وأكدَت على مبادئ هامة، نُوجِزها فيما يلي:

أولاً: أكدت محكمة التمييز على أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم في الدعوى، وأن لها أن تجزم بما لم يقطع به الخبير، ولكن ذلك مشروط بأن تكون وقائع الدعوى مُؤيدة له وأن تكون المحكمة مُستطيعة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء الرأي في هذه المسألة، طالما لم تكن هذه المسألة من المسائل الفنية البَحتة.

ثانياً: أكدت محكمة التمييز في حُكمها محل التعليق أن طلب الخصم تمكينه من إثبات أو نفي دفاع جوهري بوسيلة من وسائل الاثبات الجائزة قانوناً، هو حق للخصم إذا كانت هيَ الوسيلة الوحيدة له في الإثبات.

ثالثاً: أكدت محكمة التمييز كذلك على أن الطاعنة قد تمسَّكت أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بأن طبيعة النزاع هندسية بَحتة، وتحتاج لندب خبير مُتخصص في مجال التصاميم الهندسية ليكون لديه القدرة الفنية على أداء دوره الفني في مساعدة المحكمة للوصول إلى وجه الحق في النزاع، وأن الخبير الحسابي لا يُمكنه أداء هذا الدور لعدم تخصصه أو درايته بالمسائل الهندسية محل الخلاف بين الطرفين، وأن الخبير الحسابي نفسه الذي أودع تقريره أمام محكمة أول درجة قد قرر فيه بأن الطاعنة فشلت في تنفيذ الأعمال موضوع الاتفاقية سند الدعوى على الوجه الصحيح رغم أن ذلك يخرج تماماً عن اختصاصه المُحاسَبي باعتبار أن موضوع النزاع بين الطرفين هندسياً لا حسابياً. وأكدت المحكمة على أن هذا الطلب والدفاع من الطاعنة في محله، لأن موضوع النزاع الهندسي يخرج عن اختصاص الخبير الحسابي ولا دراية له به، بل وأيضاً وحتى بالنسبة للمحكمة ذاتها فهيَ لا تستطيع أن تشق طريقها لإبداء الرأي فيه بنفسها ودون الاستعانة بمُتخصص.

رابعاً: أكدت محكمة التمييز أن طلب الطاعنة بندب خبير مُتخصص في مجال التصاميم الهندسية هو من وسائل الإثبات الجائزة قانوناً، وأن التفات الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع ورفض طلب الطاعنة بندب خبير متخصص لتحقيق دفاعها وعلى الرغم من إنه دفاع جوهري قد يتغيَّر به وجه الرأي في الدعوى، هو أمر يعيب الحكم المطعون فيه بما يُوجِب تمييزه لهذا لسبب.

وبهذا الحكم أكَدَّت محكمة التمييز على وجوب أن يكون الخبير المنتدب في الدعوى من المتخصصين في المجال موضوع النزاع، حتى يُمكنه إبداء الرأي الفني المُتخصص في الدعوى ويساعد المحكمة على الوصول لوجه الحق في النزاع، وليكون اعتماد الحكم لتقريره من بعد – إن تم ذلك – مُتفِقاً وصحيح القانون.

Share this news

Join our mailing list

Connect with us

© Copyright 2019 Sultan Al-Abdulla & Partners

error: Content is protected !!