INSIGHTS

تأملات في تعديلات قانون المرافعات المدنية والتجارية بموجب القانون رقم 3 لسنة 2019 بعد مرور موسم قضائي كامل على دخول هذه التعديلات حيز التطبيق

April 28, 2021

كتابة:أحمد عبدالغني طاهر، محام أول.

مع بداية العام 2019، أصدَر المشرع القطري القانون رقم (3) لسنة 2019 بتعديل بعض نصوص قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم (13) لسنة 1990، وقد تضمَّنت التعديلات استبدال مواد جديدة بعدد من مواد القانون، حيث تم استبدال نصوص المواد (22)، (24)، (31)، (34)، (37)، (51)، (71)، (122)، (147/ فقرة ثانية)، (337)، (363)، (374)، كما تم إضافة مواد أخرى جديدة، هيَ المواد (25 مكرر)، (65 مكرر)، (374 مكرر)، (374 مكرر/1)، وتم إلغاء المادتين رقمي (36)، (367) من القانون رقم 13 لسنة 1990.

وفيما يلي، نَعرِض لأهم تلك التعديلات التي أدخَلها القانون رقم (3) لسنة 2019 على مواد قانون المرافعات مصحوبة بالتعليق عليها في ظل ما أظهره التطبيق العملي أمام المحاكم، بعد أن تم تطبيقها خلال الموسم القضائي 2019-2020، رغم ما شاب الموسم المذكور من حوادث غير مسبوقة تتعلق بتوقف عمل المحاكم بسبب جائحة كورونا، وذلك من خلال النقاط التالية:

تعديل الاختصاص القيمي للمحكمتين الجزئية والابتدائية
تم تعديل نص المادة (22) من القانون، حيث تضمَّن النص المُعدَّل تعديل الاختصاص القيمي للمحكمة الابتدائية الجزئية، والإضافة لاختصاصها، فأصبحت المحكمة الجزئية وفقاً للتعديل الجديد تختص بالفصل في الدعاوى والمنازعات التي لا تزيد قيمتها على خمسمائة ألف ريال، في حين كان النص السابق يُحدِد الاختصاص القيمي لهذه المحكمة بمبلغ مائة ألف ريال فقط، كما أضاف التعديل إلى اختصاص المحكمة دعاوى التعويض عن أعمال الجهات الإدارية المادية والأفعال الضارة غير المترتبة على القرارات الإدارية التي لا تجاوز قيمتها مبلغ خمسمائة ألف ريال، وجعل النص حكم المحكمة الجزئية انتهائي غير قابل للطعن إذا كانت قيمة الدعوى لا تزيد على مبلغ ثلاثين ألف ريال.

وبهذا التعديل الوارد على الاختصاص القِيمي توَسَّع المشرع في مَنْح المحكمة الجزئية صلاحية الفصل في دعاوى لم تكن قبل ذلك تدخل في اختصاصها نظراً لقيمة النزاع، وكانت تلك الدعاوى من اختصاص المحكمة الابتدائية الكلية المشكَّلة من ثلاثة قضاة، وهو أمر جعل المحاكم الجزئية تختص بعدد أكبر من القضايا بعد رفع اختصاصها القِيمي. ونرى أنَّ هذا التعديل قد ساهَم في تخفيف العبء عن كاهل المحكمة الابتدائية الكلية وذلك بجعل الاختصاص للمحكمة الجزئية في حدود مبلغ خمسمائة ألف ريال مما جعل الدعاوى التي لا تتجاوز قيمتها هذا الحد من اختصاص المحاكم الجزئية دون المحاكم الكلية لتتفرغ الأخيرة للقضايا الأكبر قيمة والأكثر تعقيداً. وقد ساعَد في ذلك زيادة عدد الدوائر الجزئية لتستوعب العدد الكبير من القضايا التي صارت من اختصاصها بموجب هذا التعديل.

وبالتبعية رفَع التعديل الاختصاص القِيمي للمحكمة الابتدائية الكلية المُشكَّلة من ثلاثة قضاة، بموجب نص المادة (24)، حيث جعل النص الجديد اختصاص المحكمة بالدعاوى والمنازعات التي تجاوز قيمتها خمسمائة ألف ريال، كما جعل النص الجديد حكم المحكمة الابتدائية الكلية انتهائي إذا لم تجاوز قيمة الدعوى خمسين ألف ريال دون تحديد لنوعية معينة من الدعاوى، في حِين كان النص قبل تعديله يجعل المحكمة مختصة قيميّاً إذا زادَت قيمة الدعوى عن مائة ألف ريال فقط، وكان يجعل من حكمها انتهائي (غير قابل للطعن) في بعض الدعاوى “فقط” كدعاوى الميراث والوصية والوقف والمهر إذا كانت قيمة الدعوى لا تزيد على ثلاثين ألف ريال.

وقد جاء هذا التعديل منطقياً بعد تعديل الاختصاص القِيمي للمحاكم الجزئية، وقد أحسَن المشرع إذ رفع مِن الاختصاص القِيمي للمحكمة الابتدائية الكلية حتى لا تزدحم بالقضايا صغيرة القيمة والتي يمكن أن تفصل فيها المحكمة الجزئية بقاضيها الفرد. وقد ساهَم هذا التعديل في تخفيف العبء عن المحاكم الكلية مما أدى إلى رفع وتيرة الفصل في الدعاوى أمام المحاكم الابتدائية عمَّا كان الوضع عليه قبل ذلك التعديل.

وجديرُّ بالذكر أن المحكمة الجزئية لا تختص بنظر أي طلب عارض أو مرتبط بالطلب الأصلي إذا جاوزت قيمة ذلك الطلب اختصاصها القِيمي، وهو خمسمائة ألف ريال، أو كان بحسب نوعه لا يدخل في اختصاصها، ويتوجب عليها أن تُحيل الدعوى الأصلية والطلب العارض و/ أو المرتبط للمحكمة الابتدائية، ويجوز للمحكمة الجزئية أن تحكم في الطلب الأصلي وحده في حالة إذا لم يترتب على الفصل فيه وحده ضرر بسير العدالة، أما المحكمة الكلية فتختص بالفصل في أي طلب عارض و/ أو مرتبط بالدعوى الأصلية أياً كانت قيمته وأياً كان نوعه.

تطلُب بيانات جديدة تُضاف إلى صحيفة الدعوى وتسريع إجراءات الاعلانات
فيما يخص صحيفة الدعوى، فقد نَصَّ المشرع في تعديله للمادة (31) من القانون على أن تشتمل صحيفة الدعوى على أسماء وعناوين وأرقام هواتف الأطراف، والفاكس والبريد الإلكتروني (إن وجدا) وهيَ بيانات لم تكن مطلوبة في الصحيفة وفق النص القديم. وهذه البيانات الجديدة تُسهِّل، إلى حدٍ ما، من مُهمة إعلان الصحيفة وتواصل القائم بالإعلان مع الخصوم المطلوب إعلانهم. كذلك اشترَط النص تقديم المدعي شرحاً لموضوع الدعوى وهو أمر أيضاً لم يكن موجوداً بالنص القديم. وحسناً فعل المشرع بهذا الاشتراط، إذ كان يحدث في حالات عديدة أن تُقدَم الصحيفة دون أي شرح أو تفصيل وبيان لموضوعها وهو ما كان يوصمها بالتجهيل وعدم الوضوح وفي حالات أخرى يؤدي هذا الأمر لإطالة أمّد الدعوى حيث يلجأ المدعي في جلسات لاحقة لتقديم شرح لموضوع دعواه التي قدمها بصحيفة خالية من الشرح.

وتجدر الإشارة إلى إنه في ظل النص القديم لم يكن هناك سند تشريعي للحكم ببطلان الصحيفة حال عدم تضمنها شرحاً لمضمون الدعوى، أما في ظل هذا النص الجديد فإنَ عدم تضمين الصحيفة لهذا الشرح لموضوعها وكذلك للبيانات التي اشترطها المشرع، فإن ذاك قد يؤدي للحكم ببطلان الصحيفة، وإن كانت المادة لم تنص صراحة على جزاء البطلان، إلا أن لفظ الوجوب الوارد بالنص يحمل هذا المعنى. وقد منَحَ المشرع بالنص الجديد المجلس الأعلى للقضاء الحق في إضافة أية بيانات أخرى يرى وجوب اشتمال الصحيفة عليها، وهو ما يمكن معه للمجلس ووفق ما يتبيَّن له من الظروف والواقع العملي والتطبيقي أن يقوم بإضافة بيانات جديدة غير تلك الموجودة بالمادة (31) دون حاجة إلى تعديل تشريعي لإضافة هذه البيانات لوجود سندها بالمادة محل التعليق.

وجاءت المادة (34) مُتضمنةً النص على تسريع إجراءات قيد الدعوى كضرورة تسليم صحيفتها للقائم بالإعلان في اليوم التالي لإعلان الخصوم خلال مدة ثلاثة أيام مع دعوتهم للاطلاع وتقديم مذكراتهم ومستنداتهم قبل الجلسة الأولى لنظر الدعوى مع السماح بذلك أيضاً أثناء المرافعة. ولا تختلف هذه المادة عن نظيرتها قبل التعديل، وخاصةً أن التطبيق العملي لا يتطابق مع ما تضمنته المادة، وهو ما جعل المشرع أيضاً بالتعديل ذاته، وبالمادة (37) لا يُرتِب على عدم مراعاة الميعاد المقرر في المادة (34/ فقرة ثالثة) بطلان إعلان صحيفة الدعوى. وكذلك لا يترتب البطلان على عدم مراعاة مواعيد الحضور، وذلك بغير إخلال بحق المُعلَن إليه في التأجيل لاستكمال الميعاد، وهو الحكم ذاته الذي كان موجوداً بنص المادة (37) قبل التعديل. وعملياً لم نجد أي أثر مختلف قد نتج عن هذا التعديل إذ لا نزال نشاهد كثير من المعيقات في مسألة الإعلان وهو ما يحتاج إلى حلول عملية أكثر من الحلول التشريعية ونرى أن المسؤولية فيما يخص تسريع الإجراءات هيَ مسؤولية مشتركة بين القضاة والمحامين والخصوم ومعاوني القضاة وبغير تكاتف جهود الجميع ستظل المشكلة قائمة.

تجديد الدعوى من الشطب لم يُعد بلا نهاية
عدَّل المشرع في المادة (51) من القانون المدة التي يُسمَح فيها بتجديد الدعوى من الشطب إذ صارت ستون يوماً بدلاً من تسعين يوماً كما كان عليه الحال قبل التعديل. كما أوصَد المشرع الباب الذي كان مفتوحاً على مصراعيه فيما يتعلق بالحق في تجديد الدعوى من الشطب دون تحديد لمرات التجديد، إذ كان البعض –وبقصد المُماطلة واللَدَّد– يلجاً إلى ترك الدعوى للشطب ثم يُبادِر قبل انتهاء المدة بتجديدها ويقوم بذلك مرات عدة، إذ لم يكن القانون قبل التعديل يمنعه من ذلك. وقد أحسن المشرع عملاً بالمادة الجديدة فيما قرره من جعل التجديد من الشطب لمرة واحدة فقط بعكس سابقتها التي سكتت عن تحديد الحق في مرات التجديد. وهو ما لمسنا معه بعد هذا التعديل انخفاض في عدد الدعاوى المشطوبة حرصاً من المدعين على تجنب الحكم باعتبار دعاواهم كأن لم تكن إذا شُطبت للمرة الثانية.

اختصام الوزارات والجهات الحكومية والعامة والخاصة
أضاف المشرع فقرة جديدة في تعديله للمادة (71) تضمَّنت الفقرة المُضافة النص على كفاية ذكر اسم الجهة المدعى عليها في صحيفة الدعوى لتحديد الصفة في الدعوى، وذلك إذا تعلق الأمر بإحدى الوزارات أو الأجهزة الحكومية أو الهيئات أو المؤسسات العامة أو بشخص معنوي خاص، وذلك تسهيلاً على المتقاضين الذين يُقاضون الجهات المذكورة. إلا أنَّ ما نراه في التطبيق العملي في المحاكم لا يَنُم عن فهم حقيقي لهذا النص، حيث لا يزال البعض يُطالِب المدعي عند اختصام أي الجهات المذكورة بذكر بيانات أكثر مما وردَت بالمادة مما يُصعِّب من مهمة المدعي على الرغم من أن المشرع قصد بالتعديل المذكور تذليل الأمر لا جعله مًرهقِاً دون جدوى.

اعتبار النطق بالأحكام الصادرة أثناء سير الدعوى وقرارات فتح باب المرافعة بمثابة إعلان
أضافَ المشرع فقرة جديدة في تعديله للمادة (122) نصّ فيها على اعتبار النطق بالأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة وقرارات فتح باب المرافعة في الدعوى، إعلاناً للخصوم الذين حضروا إحدى الجلسات، أو قدموا مذكرة بدفاعهم، وذلك ما لم ينقطع تسلسل الجلسات لأي سبب من الأسباب بعد حضورهم، أو تقديمهم للمذكرة، فعندئذ –أي في حال انقطاع تسلسل الجلسات- أوجَب المشرع على قلم الكتاب أن يقوم بإعلان الخصوم بالحكم أو القرار المشار إليه بالطرق المقررة قانوناً.

التكليف بالوفاء في أوامر الأداء
أضافَ المشرع بالمادة (147/ 2) فيما يتعلق بأوامر الأداء طريقة أخرى في التكليف بالوفاء، حيث كانت المادة قبل التعديل تشترط أن يكون التكليف بالوفاء بكتاب مُسجَّل مع علم الوصول، أما في النص الجديد فقد أضافَ المشرع إمكانية أن يكون التكليف بالوفاء بالطريقة التي يتفق عليها الخصوم ولم يُحدِد طريقة مُعينة وجعل الأمر وفق اتفاق الخصوم بما يجعل من الأمر أكثر تيسيراً ومرونة، وتُحدده إرادة الأطراف، وهو أمر محمود  ويتماشَى مع التوجه الجديد باستخدام الوسائل التكنولوجية في التقاضي ومنها الوسائل المستخدمة في الإعلانات والاجراءات القضائية.

أداء الخبير لليمين قبل كل قضية يباشرها لم يعد شرطاً
أضاف المشرع فقرةً إلى المادة (337) تتعلق بأداء الخبير لليمين، حيث كانت تشترط المادة أن يؤدي الخبير اليمين قبل مباشرة مهامه، لكن وبموجب الإضافة الجديدة للمادة لا يتوجب أداء الخبير لليمين إذا كان قد أدَى اليمين عند تعيينه في وظيفته أو قيده بجدول قيد الخبراء لدى وزارة العدل، حيث تُوجِب المادة (12) وكذلك المادة (38) من قانون تنظيم أعمال الخبرة رقم 16 لسنة 2017 على الخبير، سواء كان خبير جدول أو خبير إدارة، أداء اليمين قبل مباشرة عمله أمام وزير العدل أم مَن يفوضه الوزير لذلك. ونرى أن هذه الإضافة في محلها إذ يكفي فعلاً أداء اليمين لمرة واحدة.

استحداث نظام إدارة التنفيذ
استحدَث المشرع في التعديلات الجديدة نظام إدارة التنفيذ، حيث أنشأ بموجب المادة (363) هذه الإدارة، على أن تكون بمقر المحكمة الابتدائية، وبرئاسة أحد القضاة بدرجة لا تقل عن قاض بمحكمة الاستئناف وأن يُعاونه عدد كافٍ من القضاة يختارهم المجلس الأعلى للقضاء. ونصَت المادة على أن يُلحَق بالإدارة عدد كافٍ من الموظفين ومنَحَهم المشرع صفة الضبطية القضائية في الجرائم التي تُرتَكب بمناسبة عملهم. كما نصت المادة على ندب عدد من ضباط وأفراد الشرطة للعمل بإدارة التنفيذ. وأبقَى النص الجديد على اختصاص قاضي التنفيذ، دون غيره، بالفصل في جميع منازعات التنفيذ الموضوعية والوقتية أيا كانت وبإصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ وأضافت المادة الجديدة فقرة جعلت قاضي التنفيذ حينما يفصل في منازعات التنفيذ الوقتية يفصل فيها بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة.

وفي الواقع، ومنذ صدور هذا التعديل واستحداث إدارة التنفيذ لم يشهد المتقاضون تغييراً حقيقياً فيما يخص التنفيذ بشكل عام، إذ لا يزال التطبيق العملي لا يتماشى مع مراد ومضمون هذه النصوص التي استحدثها المشرع من أجل تذليل العقبات وتيسير المعاملات. فالقضايا لا تزال متكدسة والطلبات المتعلقة بالتنفيذ لا يُنظر فيها إلا بعد أيام وأحياناً أسابيع وبعد متابعات حثيثة ودورية، مع صعوبة الوصول إلى نتائج حقيقية.

وتحتاج منازعات التنفيذ إلى نظرة شاملة وعميقة ومتطورة تعكس التطور الحقيقي للدولة في شتى مجالاتها. وقد نرى قريباً وبعد أن طال الانتظار تطوراً حقيقياً في هذا الشأن ينعكس إيجاباً على نظام التقاضي بشكل عام ونظام التنفيذ على وجه الخصوص.

إلغاء النفاذ المُعَجَّل
انطوت المادة (374) الخاصة بالنفاذ المُعَجَّل على تعديل هام، قوامه جعل النفاذ المعجل بغير كفالة واجب بقوة القانون، ولكن ليس لجميع الأحكام وإنما لنوعية معينة من الأحكام، وهيَ الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة، والأوامر على العرائض. وقد كانت المادة قبل التعديل تمنح النفاذ المُعَجَّل بغير كفالة لجميع الأحكام والأوامر الصادرة على عرائض، وكان ذلك هو الأصل في ظل المادة قبل تعديلها، وكان وجوب تقديم كفالة للتنفيذ نفاذاً مُعَجَّلاً مشروطاً بأن ينص الحكم أو الأمر على ذلك. وقد كان الأمر في ظل النص القديم غير مستقيم ومحل اعتراضات كثيرة، حيث كانت كافة الأحكام تصدر مقرونة بالنفاذ المُعَجَّل وبغير كفالة وفق القاعدة العامة التي وضعتها المادة قبل تعديلها، وكان يترتَب على ذلك في بعض الأحيان أضرار جسيمة بالمحكوم عليهم، إذ كانت الأحكام الابتدائية يتم تنفيذها نفاذاً مُعَجلاً ويتم اتخاذ الإجراءات التنفيذية ضد المحكوم عليهم ودون اشتراط تقديم المحكوم له لكفالة لجبر ما قد يلحق بالمحكوم عليه مِن أضرار نتيجة التنفيذ حال إلغاء أو تعديل الحكم المنفذ به نفاذاً معجلاً في مرحلة لاحقة.
وقد جاء تعديل هذه المادة بالقانون رقم (3) لسنة 2019 في محلهِ تماماً، حيث أنه يعني أن أي حكم من غير الأحكام المستعجلة أو أي أمر من غير الأوامر الصادرة على العرائض لا يكون نافذاً نفاذاً معجلاً وفق التعديل الجديد مع مراعاة ما جاء بالمادة (374 مكرر/1) التي سنعرِض لها، ووفق المادة المُعدَّلة أيضاً يكون النفاذ المعجل واجب أيضاً بقوة القانون للأحكام الصادرة في المواد التجارية لكن بشرط تقديم كفالة يتم تحديدها من جانب القاضي مُصدِر الحكم.

لكن بالمادة المُضافة رقم (374 مكرر/ 1) أعطى المشرع للقاضي سلطة جوازية وتقديرية للأمر في حكمه بالنفاذ المُعَجَّل بكفالة أو بدونها، وذلك في حالات معينة، حددتها المادة، منها: الأحكام الصادرة بأداء النفقات والأجور والمرتبات، وكذلك إذا صدر الحكم تنفيذاً لحكم سابق حائز لقوة الأمر المقضي به أو مشمول بالنفاذ المعجل بغير كفالة، أو كان الحكم مبنياً على سند رسمي لم يُطعن فيه بالتزوير، وذلك مَتَى كان المحكوم عليه خصماً في الحكم السابق أو طرفاً في السند، وكذلك إذا أقَّر المحكوم عليه بنشأة الالتزام، وإذا بُني الحكم على سند عرفي لم يجحده المحكوم عليه، وإذا صدر الحكم لمصلحة طالب التنفيذ في منازعة تتعلق به. وفي البند الأخير من المادة أعطى المشرع للقاضي سلطة تقديرية واسعة حينما منَحهُ الحق في الأمر بالنفاذ المعجل إذا كان يترتب على تأخير التنفيذ ضرر جسيم بمصلحة المحكوم له، وهو أمر لا يتحدد بحدود معينة وإنما بحسب كل دعوى وظروفها وفق رؤية المحكمة. وقد أحسن المشرع باستثناء بعض الحالات من قاعدة النفاذ غير المعجل لوجود ما يُبرر استثناء هذه الحالات، كما أحسن كذلك عندما أعطى القاضي سلطة التقدير في الأمر بالنفاذ المُعَجَّل إذا رأى أن تأخير التنفيذ سوف ينجم عنه ضرر جسيم بالمحكوم له، وذلك وفق ظروف كل حالة معروضة. ونعتقد في هذا الصدد أنه يلزم أن يطلب صاحب الشأن من المحكمة الأمر بالنفاذ المُعَجَّل وأن يُبيّن مُبررات وأسانيد طلبه لكي تنظر المحكمة في الأمر بالنفاذ المُعَجَّل من عدمه وفق ما يتراءَى لها في كل حالة معروضة عليها.

عدم جواز تنفيذ الأحكام جبراً طالما كان الطعن فيها بالاستئناف جائزاً مع وجود استثناءات
وبما يتماشى مع القاعدة الجديدة بشأن إلغاء النفاذ المُعَجَّل، نَصَ المشرع بالمادة المُضافة الجديدة (المادة 374 مكرر)، على عدم جواز تنفيذ الأحكام جبراً طالمَا كان الطعن فيها بالاستئناف جائزاً، واستثنى من ذلك حالة ما إذا كان النفاذ المُعَجَّل منصوص عليه في القانون أو مأمور به في الحكم، وفق ما أسلفنا أعلاه. وبهذه المادة الجديدة صارَ الأصل هو عدم جواز تنفيذ الأحكام الابتدائية تنفيذاً جبرياً باستخدام الوسائل الجبرية في التنفيذ وبتدخل الأجهزة المعنية بالتنفيذ في الدولة طالما لم يُصبِح الحكم نهائياً بصدور حكم المحكمة الاستئنافية أو بفوات ميعاد الطعن بالاستئناف، هذه هيَ القاعدة، والاستثناء هو أن يتم تنفيذ هذه الأحكام قبل نهائيتها لكن بشرط أن يكون ذلك بنص القانون أو بأمرٍ من المحكمة في الحكم ذاته على نفاذه نفاذاً مُعَجَّلاً إن توافرت شروطه السابق بيانها.

ومع ذلك أعطَى المشرع بالمادة الجديدة للمحكوم له في الأحكام الابتدائية الحق في اتخاذ الإجراءات التحفظية بناء عليها. ونرى أن هذه الإضافة قد حققت بعض التوازن، بين موقفي النص القديم والنص الجديد.

تخصيص دوائر معينة لنظر قضايا الحكومة
وبموجب القانون (3) لسنة 2019 أيضاً، فقد أضافَ المشرع المادة (25 مكرر)، والتي بِمُوجبها منَحَ المشرع المجلس الأعلى للقضاء الحق في تخصيص دائرة أو أكثر بالمحكمة الابتدائية وكذلك بمحكمة الاستئناف لنظر الدعاوى التي تكون أي من الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى والهيئات والمؤسسات العامة طرفاً فيها. وقد شهدنا تطبيقاً فعلياً لهذا النص سواء في المحكمة الابتدائية أو بمحكمة الاستئناف، حيث تم تخصيص دائرة بكل محكمة (الدائرة الأولى بالمحكمة الابتدائية الكلية، والدائرة التاسعة بمحكمة الاستئناف)، لنظر دعاوى قضايا الدولة. كما شهدنا إحالة الدعاوى من الدوائر الأخرى إلى هاتين الدائرتين المُخصصتين. إلا أن هذا التعديل، هو في الحقيقة محل نظر، فحصر كل الدعاوى التي تكون الدولة بإحدى هيئاتها أو مؤسساتها طرفاً فيها أمام دائرة واحدة قد يؤدي إلى اتخاذ الدائرة المحددة لاتجاه واحد في كل القضايا على الرغم من اختلاف موضوعات وواقعات تلك الدعاوى عن بعضها البعض، خاصةً أنَ التطبيق العملي لهذا النص رأينا معه إحالة كل القضايا التي تكون الدولة أو إحدى مؤسساتها أو هيئاتها طرفاً فيها إلى دائرة قضايا الدولة حتى ولو كانت الدولة أو المؤسسة العامة خصم مواجهة فقط لا خصم حقيقي في النزاع.

فالأمر أصبح وكأنه –مِن نظرة واقعية عملية– من أجل التيسير على مُمثلي إدارة قضايا الدولة في الحضور أمام دائرة واحدة والتعامل مع دائرة بعينها دون جدوى حقيقية من تلك الإضافة. كذلك هناك استئنافات على أحكام ابتدائية لا يتم فيها اختصام الجهات الحكومية التي كانت مختصمة أمام محكمة أول درجة إما لكونهم خصوم مواجهة أو لصدور حكم بإخراجهم من الدعوى أو لغير ذلك من الأسباب التي لا يرى معها المستأنف ضرورة لاختصام أي من هذه الجهات في استئنافه، في حين يكون مستأنف آخر للحكم ذاته قد اختصم تلك الجهات باستئنافه وطبقاً للتعديل يُنظر الاستئناف الأخير أمام الدائرة التي تنظر قضايا الدولة، وقد يكون الاستئناف الأول الذي تنظره دائرة عادية هو الأقدم وهو الذي يلزم ضم الأخير إليه، ففي مثل هذه الأمثلة يثور التساؤل عن كيفية تعامل الدوائر مع هذا الوضع فهل سيتم نظر كل استئناف على استقلال عن الآخر على الرغم من الارتباط الفعلي القائم بين القضايا الذي يلزم معه ضمهما، أم يتم إحالة الاستئناف الأحدث وهو في هذه الحالة الاستئناف المنظور أمام الدائرة الخاصة بنظر قضايا الدولة للدائرة الاستئنافية الأخرى التي تنظر الاستئناف الأقدم. وغالباً لن تقبل الدائرة الأخيرة بنظر الاستئناف المحال باعتبار وجود دائرة مخصصة لنظره. أم تُعكس المسألة ويُحال الاستئناف الأقدم إلى الاستئناف الأحدث ليتم نظرهما بدائرة قضايا الدولة، وهو أمر أيضاً غريب، هذه كلها أمور ستترتَب على هذا التعديل الذي تم تطبيقه فعلياً بموجب هذه المادة الجديدة المُضافة. وهو الأمر الذي يحتاج معه هذا النص إلى إعادة النظر سيما إذا كانت الدعاوى المُشار إليها متنوعة ومختلفة ولا يمكن حصرها، ومن الأفضل أن تنظر أمام كافة الدوائر كغيرها من الدعاوى، فالتخصيص بناء على وجود الدولة أو إحدى مؤسساتها كطرف بالدعوى، بعيداً عن الاختصاص النوعي، لا نعتقد أنه أمر محمود، بل ويُثير شُبهة تمييز –حتى وإن كان شكلياً- لأحد الخصوم بما يتعارض مع المبادئ الدستورية والقانونية في هذا الشأن.

تسريع الإجراءات أمام المحكمة الابتدائية
مِن ضِمن المواد المضافة أيضاً بالقانون المادة (65 مكرر) والتي وضعها المشرع من أجل تسريع إجراءات التقاضي، فأوجَب على المحكمة الابتدائية –ولا ندري لماذا اختص المشرع المحكمة الابتدائية دون سواها– أن تفصل في الدعاوى على وجه السرعة. كما أوجَب النص الجديد على الخصوم والموظفين المختصين والجهات والهيئات، وكذلك المحامين مُوافاة المحكمة بما تطلبه خلال أسبوع من تاريخ الطلب، ونصَّت المادة كذلك على عدم جواز تأجيل الدعوى أكثر من مرة للسبب ذاته، وعلى ألا تتجاوز مدة التأجيل فترة أسبوعين.

ويؤخَذ على هذا النص، وإن كانت الغاية منه محمودة تتمَثل في حَث جميع أصحاب العلاقة بالخصومة على تسريع إجراءاتها وعدم تعطيل الفصل في الدعوى، إلا أنَ النص، وكما سلف القول، اختصَّ المحكمة الابتدائية دون غيرها بالفصل في الدعاوى على وجه السرعة، فقد كان ينبغي أن يكون التوجيه عاماً لسائر المحاكم.

كما كان ينبغي كذلك أن يتم إضافة الخبراء إلى الأطراف المُخاطَبين بسرعة مُوافاة المحكمة بما تطلبه من بيّنات وأوراق، حيث نلاحظ كثيراً أنَ التأخير في كثير من الدعاوى يكون مرجعهُ تأخُّر الخبير أو لجنة الخبراء في أداء مهامهم، فضلاً عمَّا أسفَر عنه الواقع العملي بعد صدور قانون تنظيم أعمال الخبراء والذي بناء عليه بدأت المحاكم بعد أن تُصدِر الحكم بندب خبير أو لجنة من الخبراء، بدأت تُرسل كُتب إلى إدارة الخبراء ولجنة الخبراء بوزارة العدل لتسمية الخبراء وتلاحَظ في كثير من الأحيان أن الأمر يأخذ من الوقت الكثير ويؤدي لتأخير تسمية الخبراء والبدء في مباشرتهم للمأمورية وهو ما يؤدي بالتبعية لتأخير الفصل في الدعاوى.

كذلك لم يتضمَّن النص المضاف أي جزاء على مخالفة ما جاء به واكتفى بكونه توجيه من المشرع لا يترتب جزاء على مخالفته مما قد يُهدِر قيمته. وعملياً، شاهدنا استمرار مشكلة التأخير في الفصل في الدعاوى والتأجيل للسبب ذاته مرات ومرات وأكثر من مدة أسبوعين، وهيَ المدة التي حددها المشرع دون أي تطبيق فِعلي لما نُص عليه بالمادة. ومن وجهة نظرنا فإنَّ هذا النص يحتاج إلى إعادة ضبط وإعادة نظر لتتحقق الفائدة المرجوة من وضعه.

إلغاء مواد لسبْق تنظيم موضوعاتها بمواد أخرى في التعديلات
ألغَى المشرع نص المادة (36) من القانون رقم (13) لسنة 1990 والتي كانت تتعلق بموضوع إعلان صحيفة الدعوى ومواعيد الإعلان، وذلك باعتبار أن المادة (34) من القانون المُعدِّل رقم (3) لسنة 2019 قد عالَجت ونظَّمَت هذه المسألة، وفق ما بيَّناه سلفاً. كما ألغَى المشرع كذلك المادة (367) المتعلقة بالتنفيذ، حيث تم تنظيم إدارة التنفيذ بمُوجب المادة (363) السابق بيانها.

كانت هذه هيَ أهم ملامِح التعديلات التي أدخَلَها المُشرع القطري على قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم (13) لسنة 1990 بموجب القانون رقم (3) لسنة 2019، والتي حاوَلنا من خلال هذا المقال الوقوف على أهميتها وآثارها، والتطرُق لِما أسفَر عنه الواقع العَملي والتطبيقي أمام المحاكم في ظل هذه التعديلات بعد مرور أكثر من عام على دخولها حيز التطبيق.

Share this news

Join our mailing list

Connect with us

© Copyright 2019 Sultan Al-Abdulla & Partners

error: Content is protected !!