INSIGHTS

تعليق على قرار محكمة التمييز القطرية الصادر في الطعن رقم 397 لسنة 2021 تمييز مدني – منازعات إدارية والصادر بتاريخ 4/10/2021 والمتضمن إرساء مبدأ قضائي بلزوم قيام القرار الإداري على أسباب تُبرره ليتصف القرار بالشرعية وليتمكن القضاء الإداري من إعمال رقابته على مشروعيته

April 27, 2022

 : كتابة 

.أحمد عبدالغني طاهر، محام أول 

لا شك في أن رقابة القضاء على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية يُمارسها القضاء للتعرف على مدى مشروعية تلك القرارات من حيث مطابقتها للقانون من عدمه[1]، وأن سلطة الإدارة التقديرية ليست سلطة مطلقة وأن الرقابة القضائية موجودة على جميع التصرفات الإدارية لا تختلف في طبيعتها وإن تفاوتت في مداها في مجال السلطة التقديرية، وتنصب الرقابة القضائية على قيام الأسباب وصحتها، واستهداف المصلحة العامة[2].

وانطلاقاً من هذه المبادئ المستقرة في القضاء الإداري وفي فقه القانون الإداري، يتوجَب على الجهة الإدارية وهي تُصدِر قراراتها أن تستهدف المصلحة العامة وأن يخلو قرارها من إساءة استعمال السلطة ومن الغلو. وحتى يتمكن القضاء الإداري من فرض رقابته على قرارات الإدارة، يلزم أن تكون لهذه القرارات أسبابًا مشروعة تُبررها.

ويدور موضوع الدعوى الصادر بشأنها قرار محكمة التمييز محل التعليق في هذا السياق أن أحد المحامي صاحب الشأن قد تقدم بطلب إلى اوزير العدل بصفته رئيس لجنة قبول المحامين لمنح المحامي شهادة تفيد عدم الممانعة في تغيير اسم مكتب المحاماة الخاص به، حتى يتسنَّى تغيير اسم المكتب بسجلات الجهات الحكومية المختصة إلى الاسم الجديد الذي اختاره الطالب لمكتبه، وأُحيل الطلب إلى لجنة قبول المحامين والتي بدورها أصدرت قرارها برفض الطلب دون إبداء أي سبب يُبرِر هذا الرفض.

طعن صاحب الشأن على القرار أمام الدائرة الإدارية بالمحكمة الابتدائية، والتي حكمت ابتداءً بعدم اختصاصها نوعياً، وتم تأييد حكمها استئنافياً. وتقدم صاحب الشأن بطعن أمام عدالة محكمة التمييز والتي قضت بتمييز الحكم وباختصاص الدائرة الإدارية بالمحكمة الابتدائية بالدعوى.

وعليه، فقد أُعيدت الدعوى للنظر في موضوعها من جديد أمام الدائرة الإدارية بالمحكمة الابتدائية. وبعد تداول الدعوى، أصدرت المحكمة الابتدائية حُكمها لصالح صاحب الشأن، بقبول الدعوى، وبإلغاء القرار الإداري المطعون فيه والصادر عن لجنة قبول المحامين مع ترتيب الأثر القانوني عن ذلك.

وقالت المحكمة في حيثيات حُكمها بإلغاء القرار المطعون فيه، أن صحة القرار الإداري تتحدد بالأسباب التي قام عليها القرار ومدَى سلامتها على أساس الأصول الثابتة في الأوراق وقت صدور القرار ومدَى مُطابقتها للنتيجة التي انتهت إليها، وأن بحث ذلك يدخل في صميم اختصاص القاضي الإداري، للتحقُق من مدَى مُطابقة القرار للقانون والتأكد من مشروعية الأسباب التي طرحت عليها وصارت عنصرًا من عناصر الدعوى.

وأضافت المحكمة الابتدائية، في حيثيات حكمها بإلغاء قرار الجهة الإدارية المطعون فيه، أن القرار قد صدر خاليًا من أي سبب من الأسباب القانونية أو المشروعة التي من شأنها أن تُضفي المشروعية على القرار المطعون فيه، وخلُصت إلى أن إصدار الإدارة لقرارها المطعون فيه دون أسباب يقوم عليها، الأمر الذي يتعذر معه على المحكمة أن تقوم بدورها بفحص مشروعية ذلك القرار أو أن تتمكن من مُراقبة التزام الجهة الإدارية بالقاعدة القانونية واجبة التطبيق ولتحقيق مصلحة عامة عند الاقتضاء. وبذلك يكون القرار المطعون فيه قد صدر مخالِفًا للقواعد العامة في القانون الإداري وللمبدأ القضائي الذي مفاده أن صحة القرار الإداري وسلامته تتحدد بالأسباب التي قام عليها، وأن غياب الأسباب القانونية في صياغة القرار المطعون فيه يجعله فاقِدًا لكل شرعية وعُرضَة للإلغاء مع ترتيب الأثر القانوني على ذلك.

لم ترتضِ الجهة الإدارية هذا الحكم، فطعنت عليه أمام محكمة الاستئناف – الدائرة الإدارية، وطلبت إلغاء الحكم والقضاء مُجددًا برفض الدعوى، وذلك لأسباب حاصلها أن الحكم شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال الذي جرَّه إلى مُخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وذلك لأن الأصل العام هو قيام القرارات الإدارية على سبب صحيح، وأن عبء الإثبات يقع على مَن يدعِي عكس ذلك.

وبعد تداول الاستئناف، قَضَت المحكمة برفضه وبتأييد حكم محكمة أول درجة القاضي بإلغاء قرار الجهة الإدارية لخلوه من الأسباب القانونية والمشروعة المُبررِة له. وقالت محكمة الاستئناف في أسباب حُكمها بأن التسبيب هو شرط يتعلق بشكل القرار الإداري، ويُقصد منه بيان سبب القرار، وإنه ولئن كان الأصل هو عدم التزام الإدارة بتسبيب قراراتها ما لم يُلزمها نص قانوني بذلك، إلا أن لهذا الأصل استثناء يرتبط بالعلة من تقريره، وأن العلة من إعفاء الإدارة من بيان أسباب قرارها تكمُن في افتراض أنها تتوخَى المصلحة العامة عند إصدارها للقرار، وأن القضاء الإداري قد درَج وهو يُمارِس دوره في إنشاء القواعد القانونية على التدخل لفرض هذا الالتزام حتى عند غياب النص عليه في الحالة التي يكون وجه المصلحة العامة من إصدار القرار غائمًا بدرجة تُقعِد القضاء الإداري عن مُمارسة دوره الرئيس في الرقابة على مشروعية قرارات الإدارة.

وأضافت محكمة الاستئناف في أسباب تأييدها لإلغاء القرار المطعون فيه، أن ذلك القرار بسكوته عن بيان أسبابه لا يكشف عن مدَى سعيه لتحقيق الغاية التي من أجلها مُنحَت الجهة الإدارة مُصدِرة القرار، لجنة قبول المحامين، سُلطة إصداره، بما يجعله معيبًا بعيب الشكل، ويكون الحكم المستأنف حين قضَى بإلغائه هذا القرار، صحيح السَنْد، بما يتعيَّن تأييده محمولاً على أسبابه وعلى ما ورد من أسباب بحكم محكمة الاستئناف.

مرة أخرى، لم ترتض الجهة الإدارية حكم محكمة الاستئناف، وطعنت عليه أمام محكمة التمييز بطعنها الصادر فيه القرار محل التعليق، وهو الطعن رقم 397/2021 تمييز مدني – منازعات إدارية، وتمسَّكت بأسباب استئنافها ذاتها كأسباب للطعن بالتمييز، وطلبت تمييز الحكم والقضاء برفض الدعوى.

اطَّلعت محكمة التمييز على صحيفة الطعن وأسبابه، وقررت وهيَ منعقدة في غرفة المشورة عدم قبول الطعن المُقدَم من الجهة الإدارية، وأكدَت المحكمة سلامة أسباب الحكم الاستئنافي وبالتبعية سلامة وصحة أسباب حكم محكمة أول درجة الذي أحال لأسبابه حكمُ محكمة الاستئناف.

وقررت محكمة التمييز في قرارها بعدم قبول الطعن، أن رقابة القضاء على القرارات الإدارية هيَ رقابة قانونية يُمارسها القضاء للتعرف على مدَى مشروعية تلك القرارات من حيث مُطابقتها للقانون من عدمه. وأن الإدارة وإن كان لها سلطة اتخاذ القرارات بما يُلائم إصدارها إلا أنها وهيَ بسبيل ذلك، يتوجَب عليها أن تلتزم صحيح القانون، وأن يكون ما تتخذه من قرارات قائمًا على أسباب تُبرِره، وغير مشوبة بعيب إساءة استعمال السلطة، أو الغلو الذي يستوجِب إلغاء القرار الإداري.

وقررت محكمة التمييز أن الحكم المطعون فيه عندما سايَر الحكم الابتدائي في إلغاء القرار الإداري المطعون فيه، لم يُخالِف هذا النظر الصحيح لخلو قرار الجهة الإدارية المطعون فيه من الأسباب التي من شأنها أن تُضفي الشرعية عليه، ويُمكِن من خلالها للمحكمة مُراقبة مشروعيتها، وأن ما خلُص إليه الحكم المطعون فيه في هذا الشأن مُتفِق وصحيح القانون، ويكون النعي عليه من جانب جهة الإدارة بأسباب الطعن على غير أساس، بما يجعل من طعنها غير مقبول.

وبهذا القرار الصادر عن محكمة التمييز في الطعن أعلاه، أكدت محكمة التمييز على مبدأ قضائي هام في شأن الرقابة القضائية على قرارات جهة الإدارة، يتمثل في ضرورة قيام القرار الإداري على أسباب تحمله، وهيَ الأسباب التي من شأنها أن تُضفي المشروعية على القرار، وذلك ليتمكن القضاء من بعد ذلك من بسط رقابته على مشروعية هذه القرارات، وأن جهة الإدارة عليها أن تلتزم القانون عند إصدار قراراتها ودون إساءة لاستعمال سلطتها في هذا الشأن، ودون غلو من جانبها في استعمال هذه السلطة، وأن خلو قرار الإدارة من أسبابه ينزع عنه المشروعية ويجعل من المتعذر على القاضي الإداري مراقبة مشروعيته بما يجعله خليقًا بإلغائه.


[1] – انظر قرار محكمة التمييز في الطعن محل التعليق رقم 397-2021 جلسة 04/10/2021 – كذلك حكم محكمة التمييز القطرية في الطعن رقم 65 لسنة 2015 تمييز مدني منازعات إدارية – جلسة 19/05/2015.
[2]– مجلس الدولة المصري- المكتب الفني-مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا السنة التاسعة عشرة – (من أول أكتوبر سنة 1973 إلى أخر سبتمبر سنة 1974) – صـ 32 الطعن رقم 748 لسنة 16 قضائية – جلسة 5 مايو 1974

Share this news

Join our mailing list

Connect with us

© Copyright 2022 Sultan Al-Abdulla & Partners

error: Content is protected !!