INSIGHTS
مدى أحقية البنوك في تقاضي الفوائد في ضوء الحكم الصادر من محكمة التمييز القطرية في الطعن رقم 171 لسنة 2020
June 28, 2021

كتابة:
د. أشرف الفيشاوي، شريك.
أرست الدائرة المدنية بمحكمة التمييز من خلال حكمها الصادر بجلسة 16/6/2020 في الطعن رقم 171 لسنة 2020 تمييز مدني، مبدئاً هاماً في خصوص مدى أحقية البنوك في تقاضي الفوائد المتفق عليها بعقود القروض والتسهيلات الائتمانية المبرمة مع عملائها.
حيث انتهت المحكمة إلى أحقية البنوك في تقاضي تلك الفوائد والعمولات المتفق عليها بعقود القروض والتسهيلات الائتمانية مع عملائها، وعدم صحة القضاء بالتعويض عوضاً عن تلك الفوائد.
وقد بنت المحكمة هذا المبدأ على ما قررته بأن أعمال البنوك التي تزاولها على وجه الاحتراف تعد أعمالاً تجارية، أياً كانت صفة المتعامل معها، ومن ثم تحكمها أحكام قانون التجارة أو القوانين الأخرى المتعلقة بالمسائل التجارية، وأنه إن لم يوجد نص يطبق في تلك القوانين، فإنه يطبق العرف التجاري مع تقديم العرف الخاص أو العرف المحلي على العرف العام، وفي حالة عدم وجود مثل هذا العرف التجاري تطبق أحكام القانون المدني.
فقد قرر الحكم أن عقد القرض المصرفي يعد عملاًتجارياً أياً كانت صفة المقترض، أو طبيعة الغرض الذي خُصص له هذا القرض، وبمقتضى هذا العقد يقوم البنك بتسليم المقترض مبلغاً من النقود على سبيل القرض أو قيد هذا المبلغ في الجانب الدائن لحساب المقترض في البنك، وبمقتضى العقد أيضاً يلتزم المقترض بسداد مبلغ القرض وفوائده للبنك في المواعيد وبالشروط المتفق عليها.
كما قرر الحكم أن المشرع قد أجاز في خصوص عمليات البنوك الحصول على القروض التي تمنحها البنوك لعملائها بالسعر الذي يحدده مصرف قطر المركزي في حالة تحديد السعر بمعرفة المصرف، أو بالسعر الذي يتم الاتفاق عليه بين الطرفين في عقود القروض والتسهيلات الائتمانية. وأن الفوائد نوعان: تعويضية، ويتفق فيها الدائن مع المدين على استحقاقها مقابل الانتفاع بمبلغ من النقود خلال أجل محدد، وفوائد تأخيرية يُتفق على استحقاقها عند إخلال المدين بالتزامه بالوفاء بالدين في موعد السداد، وتكون بمثابة تعويض عن تأخر المدين في الوفاء به.
وجاء في الحكم أنه إذ خص المشرع المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية كلاً منهما بأحكام تستقل عن الأخرى، وجعل لكل من المسئوليتين في تقنينه موضعاً منفصلاً عن المسئولية الأخرى، فقد أفصح بذلك عن رغبته في إقامة نطاق محدد لأحكام كل من المسئوليتين.
وأضاف أنه إذا قامت علاقة عقدية محددة بأطرافها ونطاقها، وكان الضرر الذي أصاب أحد المتعاقدين قد وقع بسبب إخلال الطرف الآخر بتنفيذ العقد، فإنه يتعين الأخذ بأحكام العقد، وبما هو مقرر في القانون بشأنه، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي تضبط كل علاقة بين الطرفين بسبب العقد سواء عند تنفيذه أو عند الإخلال بتنفيذه، إذ يترتب على الأخذ بأحكام المسئولية التقصيرية في مقام العلاقة العقدية إهدار لنصوص العقد المتعلقة بالمسئولية عند عدم تنفيذه، مما يخل بالقوة الملزمة للعقد، وذلك طالما لم يثبت أحد الطرفين أن الفعل الذي ارتكبه الطرف المُخل وأدى إلى الإضرار به يكون جريمة أو يعد غشاً أو خطأً جسيماً، مما تقوم به المسئولية التقصيرية، التي تقوم على الإخلال بالتزام قانوني، وهو ما يمتنع القيام به من أي طرف سواء كان متعاقداً أو غير متعاقد.
وعليه، لما كان البنك قد تعاقد بموجب عقد تسهيلات ائتمانية، وتم الاتفاق فيه على تقدير الفوائد، فإنه يجب الأخذ بهذا الاتفاق عند عدم وفاء المقترض بمبلغ القرض، وعدم الحكم عوضاً عنها بالتعويض، لأن الحكم بالفوائد لا يعد تعويضاً عن عمل غير مشروع، بل هو تعويض عن عدم الوفاء والتأخير في سداد القرض.
وقد انتهى الحكم إلى تمييز الحكم المطعون فيه للأسباب السابقة، وأعاد القضية إلى دائرة مغايرة بمحكمة الاستئناف لتحكم من جديد بقيمة الفوائد المتفق عليها بالعقد، بعد حساب قيمتها بالشكل الذي يتفق مع بنوده.
وقد كانت هذه الدعوى مقامة من أحد البنوك (الطاعن) ضد أحد الشركات وآخرين (المطعون ضدهم) بالتضامن والتضامم، بطلب سداد قيمة التسهيلات الائتمانية المترصدة، مع الفوائد، بالإضافة إلى المصروفات والأتعاب.
وقد أسس البنك دعواه على أن المطعون ضدها وآخرين تعاقدوا معه بموجب عقود تسهيلات ائتمانية، وتأخروا في سداد قيمة تلك التسهيلات، وترصد في ذمتهم في تاريخ إغلاق الحساب المبلغ محل المطالبة مع الفوائد.
وكانت محكمة أول درجة قد قضت بمبلغ التسهيلات المترصد، دون القضاء بالفوائد، على اعتبار أن عدم السداد لمبلغ التسهيلات قامت به مسئولية تقصيرية، تستتبع التعويض الذي قدرته المحكمة بمبلغ يقل عن مبلغ الفوائد. وقد تأيد هذا الحكم من محكمة الاستئناف لأسبابه.
وقد تم الطعن بالتمييز على هذا الحكم لأسباب حاصلها أن القروض المصرفية يتعين أن يتم سدادها وسداد الفوائد المتفق عليها، على اعتبار أن هذه الفوائد هي التعويضات المتعارف عليها في عرف المعاملات البنكية.
وحيث نصت المادة 70 من قانون مركز قطر المركزي رقم 13 لسنة 2012على أن: (“للمصرف ضبط أسعار العوائد والفوائد وشروط منح القروض وقبول الودائع في مختلف المؤسسات المالية. وتسري الفائدة أو العائد الذي يحدده المصرف على التسهيلات الائتمانية المتعثرة أو المعاد جدولتها، ما لم يتم الاتفاق بين المؤسسات المالية المقرضة وعملائها على سعر آخر”).
ومن حيث خالف الحكم المطعون فيه ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز في تعريف القرض المصرفي وما يترتب عليه من آثار، بأن: (” القرض المصرفي هو عقد يقوم بمقتضاه البنك بتسليم المقترض مبلغاً من النقود على سبيل القرض أو قيد هذا المبلغ في الجانب الدائن لحساب المقترض في البنك ويلتزم المقترض بسداد مبلغ القرض وفوائده للبنك في المواعيد وبالشروط المتفق عليها، ويعتبر القرض المصرفي عملاً تجارياً أياً كانت صفة المقترض أو طبيعة القرض الذي خصص له هذا القرض. البنك المقرض يتحمل عادة في سبيل الحصول على الأموال التي يلبى بها حاجة المقترضين أعباء قد تكون أكثر فداحة من القرض العادي، فإن وقوع الضرر الموجب لاستحقاق الدائن للتعويض بمجرد التأخير في الوفاء بالدين يضحى أمراً واجباً على المدين الوفاء به أخذاً بما جرت عليه العادة في التعامل مع البنوك والتي تعد معرفتها من قبيل العلم العام الذي لا يحتاج إلى دليل على قيامه”)[1]
وحيث أن المقرر في الفقه القانوني القطري بأن: (“القرض محل النزاع بوصفه عملاً مختلطا كان يجب أن يخضع -إعمالا لنص المادة 10 من قانون التجارة القطري- لأحكام قانون التجارة، وليس لأحكام القانون المدني، بيد أنه إزاء خلو قانون التجارة القطري، كان على القاضي تطبيق نص المادة 2 من قانون التجارة التي تلزمه بوجوب الرجوع فيما يتعلق بالمسائل التجارية للأحكام الواردة في قانون التجارة أو في غيره من القوانين المتعلقة بالمسائل التجارية، ومن ثم كان على القاضي الرجوع إلى نص المادة 70 من القانون رقم 13 لسنة 2012 بإصدار قانون مصرف قطر المركزي وتنظيم المؤسسات المالية، ولذلك ليس صحيحاً القول ببطلان الفوائد لأحكام المادة 568 من القانون المدني القطري، فالقواعد الواجبة التطبيق ليست من قواعد القانون المدني، وإنما الأحكام التي تضمنها نص المادة 70 من القانون رقم 13 لسنة 2012 بإصدار قانون مصرف قطر بوصفه من القوانين المكملة لقانون التجارة القطري..”) [2]
وحيث أن الأحكام العامة للعقود، تمنح المتعاقدين الحق في الاتفاق على التعويض، حيث تنص المادة رقم 263 من القانون المدني تنص على أن: (“1- تقدر المحكمة التعويض إذا لم يكن مقدراً في العقد أو بمقتضى نص في القانون. 2- ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب، بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخر في الوفاء به. ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول.”).
وعليه فإن مقتضى المادة المذكورة أعلاه هي أن المحكمة لا يجوز لها أن تقدر التعويض إلا في حالتين وهما حالة عدم تقدير التعويض في العقد، أو بمقتضى نص في القانون، وفق ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز بأن تقدير المحكمة للتعويض، في عقد القرض البنكي، فقط يكون في حالة خلوّ العقد من الاتفاق على فوائد، حيث قضت بأنه: (“وكان البين من اتفاق عقدي القرض والفيزا كارد بأنهما خليا من تحديد فائدة محددة يستحقها البنك عن تقاعس المطعون ضده عن الوفاء بباقي المستحق عليه إلا أنه لما كان البنك المقترض يتحمل عادة في سبيل الحصول على الأموال التي يلبى بها حاجة عملائه أعباء قد تكون أكثر فداحه من القرض العادي، فإن وقوع الضرر الموجب لاستحقاق الدين التعويض بمجرد التأخير في الوفاء بالدين يضحى أمراً واجباً على المدين الوفاء به أخذاً بما جرت عليه العادة في التعامل مع البنوك والتي تعد معرفتها من قبيل العلم العام الذي لا يحتاج إلى دليل على قيامه. وإذ قضى الحكم المطعون فيه على خلاف هذا النظر برفضه طلب الحكم للطاعن بالتعويض عن التأخير في الوفاء. فإنه يكون معيباً بما يوجب تمييزه في خصوص هذا الجزء من قضائه.”) [3]
وقضاء محكمة التمييز أعلاه يؤكد أن اللجوء إلى التعويض على نحو ما قدره الحكم المطعون فيه، لا يتم إلا بعد أن تتحقق المحكمة من خلوّ عقد القرض من الاتفاق على فائدة محددة يستحقها البنك في حال التقاعس. وهو خلاف ما قام به الحكم المطعون فيه الذي قفز إلى القضاء بتعويض من تقدير المحكمة، دون التحقق من بند الفوائد المتفق عليها.
وحيث أن البين من عقد القرض أن الطرفين اتفقا على تقدير الفوائد المستحقة عن التأخير في السداد كتعويض، مما تقِف معه حدود سلطة المحكمة في تقدير التعويض عند هذا الحدّ، ولا يكونُ لها أن تقضي بقيمة التعويض وفق تقديراتها؛ ذلك أننا لسنا بصدد مسؤولية تقصيرية تُطلق فيها سلطة القاضي في تقدير قيمة التعويض، إنما هي مسؤولية عقدية يجوز للأطراف الاتفاق بشأنها على تقدير التعويض، ولا يكون للقاضي أي سلطة في ذلك سوى في حالة غياب تقدير التعويض في العقد.
وقد انتهت عدالة محكمة التمييز إلى تقدير هذه الأسباب المقدمة للطعن، وقررت بأن البنك يستحق القضاء له بالفوائد المتفق عليها.
وخلاصة المبدأ الجديد الذي قررته محكمة التمييز في القضاء محل التعليق يتمثل في النقاط الآتية:
(1) أن عقد القرض المصرفي يخضع لقانون التجارة باعتباره عملاً تجارياً من جانب البنوك بغض النظر عن صفة المقترض.
(2) أن مبدأ سلطان الإرادة والقوة الملزمة للعقد هما الحاكمين للحق في طلب الفوائد طالما تم الاتفاق عليها بعقد القرض المصرفي، وفي حالة عدم الاتفاق، يمكن تقدير تعويض مناسب.
(3) أن أحكام المسئولية العقدية هي التي تحكم التعويض عن الضرر الناشئ عن الإخلال بالعقد، ما لم يثبت المضرور أن الفعل الذي صدر من المتعاقد الآخر يكون جريمة أو يعد غشاً أو خطأً جسيماً مما تقوم به أحكام المسئولية العقدية.
[1] الطعن رقم 168 لسنة 2010 تمييز مدني، جلسة 11/1/2011.
[2] د.محمد سالم أبو الفرج ود.طارق جمعة السيد راشد، إشكالية الفوائد على القروض المصرفية في القانون القطري، دراسة تحليلية تطبيقية، مجلة كلية القانون الكويتية العالمية- السنة السابعة- العدد 1 – العدد التسلسلي 25- جمادي الآخرة- رجب 1440هـ – مارس 2019، ص 385.
[3] الطعن رقم 168 لسنة 2010 تمييز مدني، جلسة 11/1/2011.