INSIGHTS
تعليق على حكم محكمة التمييز القطرية الصادر في الطعن رقم 288 لسنة 2020 تمييز مدني والصادر بتاريخ 01 يوليو 2020
October 28, 2021

كتابة: أحمد طاهر، محام أول.
أقامَت الشركة الطاعنة دعواها الايجارية أمام لجنة فض
المنازعات الايجارية بطلب إلزام المؤسسة المطعون ضدها بأن تؤدي لها مبلغ يزيد عن 26 مليون ريال حتى تاريخ معين مع ما يستجد لها، وذلك مقابل تكلفة خدمات التكييف والغاز والمياه المُبردة والمياه الساخنة التي تم تزويد المطعون ضدها بها، والتي تستأجر من الطاعنة عدد ستة مبانٍ إدارية وتجارية بموجب عقود ايجار محررة بين الطاعنة والمطعون ضدها.
انتدبت اللجنة خبيراً وباشَر مأموريته، وأودَع تقريره، وانتهت اللجنة إلى القضاء بعدم قبول الطلب لرفعهِ مِن غير ذي صفة مؤسِسَّة قضاءها على عدم قيام اتفاق بين الطرفين على استحقاق الطاعنة لمقابل الخدمات المذكورة وأنها ليست مُزود الخدمة. استأنفت الطاعنة قرار لجنة الإيجارات أمام محكمة الاستئناف، وطلبت إلغاء القرار والقضاء مُجدداً لها بطلباتها، واحتياطياً بندب خبير متخصص في الأعمال موضوع النزاع لبيان قيمة الخدمات المقدمة للمطعون ضدها، وذلك لأسباب حاصلها مُخالفة القرار للقانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال ومُخالفة الثابت بالأوراق على سند مِن أنَّ الطاعنة هيَ صاحبة الصفة والمصلحة في الدعوى لأنها المؤجر الذي يدفع هذه المبالغ لمزود الخدمة وله أن يُحصلها مِن المستأجرين. وقدمت الطاعنة في استئنافها عدد من المستندات صادرة عن مُزود الخدمات تفيد ذلك الأمر، كما أكدَّت الطاعنة أنَّ التزام المطعون ضدها بمُقابِل الخدمات المذكورة هو التزام قانوني وفق قانون ايجار العقارات رقم 4 لسنة 2008 وتحديداً المادة التاسعة منه[1]، والتي تجعل الأصل في الالتزام بقيمة استهلاك الخدمات مِن ماء وكهرباء وغيره على المستأجر ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك الأصل. وكذلك أكدَّت المستأنِفة “الطاعنة” أنَّ التزام المستأجر يجد سنده في نصوص عقود الإيجارات موضوع التداعي، ومنها البند الثامن، والبند 12/15. وبعد تداول الاستئناف، حكمت محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة فيما قضى بهِ مِن عدم قبول الطلب لرفعه مِن غير ذي صفة والقضاء مُجدداً برفض الطلب.
وأسَسَّت محكمة الاستئناف قضاءها على توافر الصفةللطاعنة في الطلب على أساس أنَّ المشروع محل النزاع قد آلت ملكيته للشركة الطاعنة وأصبحت هيَ صاحبة الصفة في الدعوى، وأن قرار اللجنة فيما انتهى إليهِ مِن انتفاء صفة الطاعنة في الطلب غير صحيح ويتعين إلغائه، ويكون الطلب مرفوع من ذي صفة. أمَّا بالنسبة للموضوع ذاته، فقالت محكمة الاستئناف أنَّ البند 12/15 من عقود الايجار[2] يتعلق بالتزام المستأجر بسداد الرسوم والضرائب المستحقة فعلاً أو التي قد تُستَحَق فيما بعد للجهات الحكومية وغيرها عن ايجار العين وعن ممارسة المستأجر للنشاط بالعين المؤجرة حَسب طبيعة ذلك النشاط وما تفرضه عليه الجهات الحكومية وغيرها مِن رسوم، ومن ثم – تقول محكمة الاستئناف – فإن عبارة هذا البند واضحة ولم تتضمن أي التزام آخر على المستأنف ضدها “المطعون ضدها” بخلاف ما ورَد في البند، وذلك وفق نص المادة 169/1 من القانون المدني[3].
وأضافت محكمة الاستئناف في حُكمها إنه بالنسبة للبند الثامن من العقود سند التداعي، فهو يحتاج إلى تفسير بشأن ما وَرَد فيه مِن عبارة “يتعهد المستأجر بدفع كافة رسوم استهلاكه عن الخدمات والمرافق الموفرة للعين المؤجرة في مواعيدها إلى الجهات المختصة” والتي ورَدَت بعدها عبارة “ويشمل ذلك دون حصر رسوم وفواتير الماء والكهرباء والغاز والهاتف…الخ”.
وأخذت محكمة الاستئناف مِن النصين المذكورين أنَّ المطعون ضدها غير مُلْزَمة بسداد قيمة تلك الخدمات وأنَّ الطاعنة هيَّ المُلزَمة بهذا السداد، وفق عقدها مع مُزود الخِدمة، وقالت المحكمة إن المطعون ضدها مُلزَمة بصريح عبارة النص بسداد رسوم وفواتير الكهرباء والماء والغاز والهاتف إلى الجهات المختصة والحصول على إشعارات سدادها وتقديمها للمؤجر “الطاعنة” وإنه يتضح مِن البند الثامن مِن العقود ومِن عباراته إنه يتعلق بحقوق الطاعنة لدَى المطعون ضدها، وإنه يُستخلَص مِن ذلك أنَّ خدمات المياه المُبَرَّدة والساخنة ليست مِن ضِمن الخدمات الواردة في البند الثامن، وذلك لأن المطعون ضدها لا يربطها عقد مع مُزود الخدمة وبالتالي ليس عليها إلزام بسداد قيمتها إلى الجهة المختصة وأن الطاعنة هيَّ المُلزَمة بذلك السداد لا المطعون ضدها، وأنَّ المحكمة ترى أنَّ النِيَّة المشتركة لهما لم تنصرِف إلى تحميل المطعون ضدها قيمة هذه الخدمات، إذ لو كان الحال كذلك لَورَد النص صراحةً بالتزام المستأجر “المطعون ضدها” بسداد قيمة الخدمات المذكورة للطاعنة وليس لأي جهةٍ أخرى، وأنَّ المحكمة استخلصت ذلك مِمَّا وَرَد في عقد إيجار آخر بين الطرفين يتعلق بوحدات سكنية بخلاف الوحدات التجارية والإدارية موضوع عقود الايجار محل التداعي، إذ وَرَد -تقول المحكمة – في العقد السكني بين الطرفين نص صريح يتعلق بالتزام المستأجر بقيمة هذه الخدمات، كما أنَّ دليل المستأجر السكني المُقدَّم مِن الطاعنة للتدليل على التزام المطعون ضدها بقيمة هذه الخدمات وفق تمهيد العقود الذي أحال إلى هذا الدليل واعتبره جزء من العقود، هو دليل خاص بالوحدات السكنية لا التجارية أو الإدارية، ومن كل ذلك تقول محكمة الاستئناف أنها تستخلص أن البند الثامن مِن العقود سند التداعي لم يُلزِم المستأجر “المطعون ضدها” بقيمة هذه الخدمات، ولذلك تكون الدعوى مرفوضة. أمَّا عن طلب الطاعنة ندب خبير مُتخصص وهو الطلب الاحتياطي المقدم من الطاعنة ليقوم الخبير ببيان قيمة الخدمات المقدمة للمستأجر، وحيث انتهت المحكمة إلى أنَّ العقود لا تتضمن إلزام على المستأجر بأداء قيمة هذه الخدمات، فإن طلب ندب الخبير لا يكون له محل أو لزوم حَسب حكم الاستئناف. ومن ثم، انتهت محكمة الاستئناف إلى حُكمها السالف ذكره برفض طلبات الطاعنة.
طعنت الطاعنة على الحكم الاستئنافي بموجب الطعن رقم 288 لسنة 2020 “محل التعليق”، ونَعَت على الحكم الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، على سند مِن أنَّ عبارات العقود سند التداعي ودليل الاستخدام المُلحَق بِهم قد تضمَّنوا التزام المستأجر بسداد رسوم استهلاكه عن الخدمات والمرافق الخاصة بالعين المؤجرة إلا أنَّ حكم الاستئناف وبدعوى البحث عن النِيَّة المشتركة للمتعاقدين اعتبر أنَّ هذا الالتزام قاصِر على الخدمات التي تُقدمها الجهات المختصة ولا يندرج مِن بينها تلك الخدمات التي يُقدمها المؤجر نفسه، فَخَرَج الحكم بذلك عن عبارات العقد الصريحة، ورَتَب على ذلك قضاءه برفض الدعوى بما يعيبه، ويستوجِب تمييزه.
عُرِض الطعن على محكمة التمييز في غرفة المشورة فرأت إنه جدير بالنظر فحدَدت جلسة لنظره وللمرافعة، وبتاريخ 1 يوليو 2020 أصدرت محكمة التمييز حُكمها، بتمييز الحكم وإحالة القضية إلى محكمة الاستئناف لنظرِها مِن دائرة مُغايرة مُشكَلَّة مِن قُضاة آخرين، ووضعت محكمة التمييز بهذا الحكم مبادئ هامة، نُوجزها فيما يلي:
أولاً: قررت محكمة التمييز في حُكمها محل التعليق أنَّ النعي مِن جانب الطاعنة على الحكم في محله، ذلك أنَّ النص في المادة التاسعة من قانون ايجار العقارات رقم 4 لسنة 2008 على أن “يلتزم المستأجر بسداد قيمة استهلاك الماء، والكهرباء، والهاتف للعين المؤجرة، وأي رسوم أخرى يلتزم بدفعها قانوناً، وذلك اعتباراً من تاريخ تسلمه لها، وحتى تاريخ إعادة تسليمها إلى المؤجر، ما لم يتفق على خلاف ذلك.”، يدل على أنَّ الأصل أنَّ المستأجر باعتباره المُنتفع الفِعلي بالعين المؤجرة والمستفيد مِن المرافِق المُتعلقة بها مِن مياه وكهرباء وهاتف، وأية خدمات أخرى مِن هذا القبيل، والتي تتزايد قيمتها أو تقل وفقاً لمقدار استهلاكه لها، فهوَ – أي المستأجر – المُلقَى عليه عبء سداد قيمة هذا الاستهلاك، إلا إذا كان هناك اتفاق بينه وبين المؤجر على خلاف ذلك، أي على أن يتحمل المؤجر قيمة هذه الخدمات أو جزء منها.
ثانياً: قالت محكمة التمييز في حُكمها محل التعليق، إنه ولَئِن كان لمحكمة الموضوع السلطة التامَّة في تفسير صيغ العقود والاتفاقات وسائر المُحرَرات والشروط المُختَلَف عليها واستخلاص ما تراه أوْفَى بمقصود ذّوي الشأن واستظهار النِيَّة المُشتَركَة لهما، إلا أنَّ شريطة ذلك هوَ ألَّا تخرج المحكمة عن المعنى الظاهر لعبارات المُحرَر دون التقيُّد بما تُفيده عبارة مُعيَّنة مِن عباراته.
ثالثاً: قالت محكمة التمييز إنه يجب على محكمة الموضوع في سياق تفسيرها للعقود والمحررات مُراعاة ما يُستخلَص مِن جميع العبارات ومِن ظروف إصدار المُحرَر وأن تُقيم قضاءها على أسبابٍ سائغة مُستمَدَّة مِمَّا له أصل ثابت بالأوراق.
رابعاً: قالت محكمة التمييز في الحكم محل التعليق أنَّ أخذ الحكم مِن البند الثامن مِن عقود الايجار “السالف ذكره” أنَّ الالتزام بسداد هذه الخدمات قاصر على ما تقدمه الجهات الأخرى بخِلاف المؤجر، هو استنتاج غير صحيح لأنَّ ما وَرَد بعبارات العقد لم يخرج عن الأصل المُقرَر قانوناً بالتزام المستأجر بقيمة هذه الخدمات، أياً ما كان مُقدمها سواء مِن جهات أخرى أو مِن المُؤجر نفسه أو أحد تابعيه، ما دام طرفا العقد لم يتفقا على تَحمُل المؤجر لها.
خامساً: قالت محكمة التمييز في حُكمها محل التعليق أنَّ حكم محكمة الاستئناف قد انحَرَف بتفسيره لاتفاق الطرفين بما لا تحتمله عبارات العقود سند التداعي، وإنه لا أصل صحيح لذلك التفسير بالأوراق، وهو ما حَجبَ المحكمة عن بحث مقدار الاستهلاك عن الفترة المُطالَب بها، وبما جعل الحكم مشوباً بالفساد في الاستدلال الذي جرَّه إلى الخطأ في تطبيق القانون، مِمَّا يُوجِب تمييزه.
سادساً: وبناءً على هذا الحكم، سيتعيَّن على محكمة الاستئناف عند نَظَر القضية مِن جديد، أن تبحث مقدار استهلاك المطعون ضدها للخدمات موضوع المطالبة لتقديرها، وهو أمر سبق أن رفضه الحكم السابق الذي تم تمييزه.
وبِهذا الحُكم، أكَدَّتْ محكمة التمييز على أنَّ سُلطة محكمة الموضوع في تفسير العقود ليست مُطلَّقَة أو تَحَكُمِيَّة وإنما هيَّ سُلطَة مُقيَّدَة بما تُنتجه الأوراق وبما تُفصِح عنه المستندات وبما يظهر مِن واقِع وظروف الدعوى، وذلك في حال كانت هناك حاجة تدعو للتفسير، أمَّا إن كانت عبارات المُحرَر ومقاصِد المتعاقدين واضحة، فلا مجال لإعمال المحكمة لهذه السُلطة، فإن فَعَلت كان حُكمها مُنطوياً على مُخالفة قانونية تجعله – والحال كذلك – مُستوجِباً للتمييز.
[1] تنص المادة (9) من قانون ايجار العقارات رقم 4 لسنة 2008 على أن: ” يلتزم المستأجر بسداد قيمة استهلاك الماء، والكهرباء، والهاتف للعين المؤجرة، وأي رسوم أخرى يلتزم بدفعها قانوناً، وذلك اعتباراً من تاريخ تسلمه لها، وحتى تاريخ إعادة تسليمها إلى المؤجر، ما لم يتفق على خلاف ذلك.”
[2] نَصَّ البند 12/15 من عقود الايجار سند التداعي على أن: “يلتزم المستأجر بسداد أي رسوم أو ضرائب مستحقة أو قد تُستحَق لأي جهة حكومية أو غير حكومية عن إيجار العين المؤجرة وممارسة المستأجر لنشاطه بها اعتباراً من تاريخ سريان هذا العقد..”)
[3] تنص المادة 169/1 من القانون المدني على أن: “إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين”).