INSIGHTS
قراءة في قانون الوساطة في تسوية المنازعات المدنية والتجارية رقم 20 لسنة 2021
December 29, 2021

كتابة: أحمد عبدالغني طاهر ،مستشار أول في مكتب سلطان العبدالله ومشاركوه.
في إطار جهودها المستمرة في استكمال نهضتهاالتشريعية، أصدرت دولة قطر القانون رقم (20) لسنة 2021 بشأن الوساطة في تسوية المنازعات المدنية والتجارية، وذلك بالتزامن مع إصدارها أيضًا للقانون رقم (21) لسنة 2021 بإنشاء محكمة الاستثمار والتجارة، ولا يخفى ما بين القانونين من ارتباط وثيق، باعتبارهما من أهم أدوات الدولة في تحقيق أهداف اقتصادية واستثمارية تهدف في الأساس لمعالجة بعض أوجه القصور في التعامل مع قضايا الاستثمار وبقصد تيسير وتبسيط إجراءات وأدوات تسوية المنازعات بطرق بديلة عن الطرق الاعتيادية التي لم تعد الخيار الأنسب لدى عدد غير قليل من المستثمرين الوطنيين والأجانب على السواء، وذلك بما يسمح بتذليل كثير من العقبات التي تواجه الجهود الكبيرة المبذولة في تنمية سبل وخطط الدولة الاستثمارية.
في هذا الصدد، جاء إصدار قانون الوساطة في تسوية المنازعات المدنية والتجارية، ليُمثل خطوة كبيرة ومهمة في تحقيق مزيدأً ومزيجاً من المرونة والسرعة في تسوية المنازعات. ولا شك بأن تسوية المنازعات بالطرق البديلة كالتحكيم والوساطة أصبحت من أهم الوسائل التي صار وجودها ضرورة مُلحَّة وليس مجرد رفاهية.
ورغم أن الوساطة والتحكيم ينتميان إلى عائلة واحدة
اسمها “الوسائل البديلة لفض المنازعات”، وعلى الرغم مما وصل إليه التحكيم من انتشار واسع، إلا أن الوساطة ظلت تُراوح مكانها، وأصبحت هناك مطالبات متزايدة من المتخصصين لتنظيم الوساطة في إطار قانوني كوسيلة بديلة في تسوية المنازعات لما لها من دور فعال.
وجاء قانون الوساطة الجديد والصادر بتاريخ 18 أكتوبر 2021 في (33) مادة، وحددت مواده إصداره الأربع سريان أحكامه على الدعاوى والمنازعات التي تختص بالفصل فيها الدوائر المدنية والتجارية بالمحكمة الابتدائية، والدعاوى التي تختص بها محكمة الاستثمار والتجارة المنشأة مؤخرًا بالقانون رقم (21) لسنة 2021، كما تضمنت مواد الإصدار الإحالة إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية بشأن ما لم يرد فيه نص خاص في قانون الوساطة، وعلى أن يُعمَل بالقانون من تاريخ صدوره.
أما عن مواد القانون، فقد تضمنت المادة الأولى منه “التعاريف”، فعرَّفت المجلس بأنه المجلس الأعلى للقضاء، وعرَّفت الوساطة كمفهوم قانوني باعتبارها وسيلة ودية لتسوية النزاع، ويتم اللجوء إليها بالاتفاق أو بطلب من المحكمة المختصة. كما تم تعريف الوسيط كشخص او أكثر يتولى مباشرة الوساطة، وأطراف الوساطة سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو من الأشخاص المعنوية المتمتعين بالأهلية القانونية للتعاقد. كذلك تم تعريف اتفاق الوساطة، وهو الاتفاق المكتوب على الالتجاء إلى الوساطة لتسوية كل أو بعض المنازعات بين الأطراف، وبأن اتفاق الوساطة يمكن أن يكون اتفاق مستقل بذاته، كما يمكن أن يأتي في صورة شرط في عقد، ثم عرجت المادة على تعريف اتفاق التسوية، وهو نتاج وثمرة عملية الوساطة المأمولة، واختتمت المادة بتعريف سجل قيد الوسطاء الذي نَصَ القانون على إنشائه.
ونتناول في النقاط التالية، بيان أحكام هذا القانون:
1- سريان أحكام قانون الوساطة
نَصَ القانون على سريان أحكامه على أي اتفاق وساطة، وذلك عند مباشرة الوساطة كليًا أو جزئيًا في دولة قطر، إلا إذا وجد اتفاق بين الأطراف على خلاف ذلك. ويتضح من ذلك اعتماد المشرع في سريان أحكام هذا القانون لمبدأ الإقليمية مع إعلاء لإرادة الأطراف سواء في رفض سريان أحكام قانون الوساطة على نزاعهم حتى وإن تمت مباشرة هذه الوساطة في الدولة، باعتبار أن الوساطة هي في ذاتها بمثابة اتفاق نابع من إرادة ذاتية بين أطرافها على تسوية النزاع بشكل ودي.
وكذلك، وإعلاءً لإرادة الأطراف، نَصَ القانون على سريان أحكامه حال اتفاق الأطراف على ذلك أو بناء على طلب من المحكمة التي تنظر الموضوع حتى وإن لم تكن الوساطة قد بُوشرت بشكل كلي أو جزئي داخل نطاق إقليم الدولة. بالإضافة إلى سريان أحكام هذا القانون في حال تضمن العقد أو الاتفاق محل النزاع النص على سريان قوانين دولة قطر عليه. وهو ما نجد معه توسع من المشرع في دائرة سريان أحكام قانون الوساطة، بحيث تشمل معظم الحالات، وكل ذلك مشروط بمراعاة أحكام الاتفاقيات الدولية النافذة في الدولة.
2- الاستثناءات من سريان أحكام قانون الوساطة
استثنى القانون بموجب مادته الثالثة، بعض الدعاوى والمنازعات من نطاق سريان أحكامه، بحيث لا يسري قانون الوساطة على تلك المنازعات، ومنها الدعاوى المستعجلة والوقتية، ومنازعات التنفيذ الموضوعية منها والوقتية كذلك، وذلك لما هذه النوعية من الدعاوى من طبيعة خاصة لا تتماشى مع مفهوم الوساطة.
وكذلك استثنى القانون، الدعاوى التي تكون طرفًا فيها قطر للطاقة أو الشركات التي تؤسسها أو تشارك في تأسيسها أو تساهم فيها، وكذلك الشركات القائمة على تنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بحقول البترول والعمليات البترولية والبتروكيماوية، وكذلك أي شخص طبيعي أو معنوي مرخص له من قطر للطاقة للقيام بأي من العمليات البترولية وفق قانون استغلال الثروات الطبيعية ومواردها رقم (3) لسنة 2007.
استثنى كذلك القانون من نطاق تطبيق أحكامه، المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، إذ لا تجوز الوساطة في هذه المسائل كطريق بديل لتسوية النزاعات شأنه شان التحكيم، وهو أمر بديهي، إذ أن الوساطة هيَ في حقيقتها تسوية وصُلح بين الأطراف يتم التوصل إليه بشكل ودي، ومَن لا يملك حق الصلح لا يجوز أن تنطبق عليه أحكام الوساطة.
واستثنى كذلك القانون من نطاق سريان أحكامه، الوساطة التي يتفق أطرافها على حل نزاعهم بطريق التحكيم أو أي طريقة أخرى لفض المنازعات بينهم من دون اللجوء للمحكمة، وذلك ما لم يتفق الأطراف صراحة على خلاف ذلك.
3- كيفية وآلية عمل الوساطة
نظَّم القانون آلية عمل الوساطة، حيث بيَّن القانون أن الوساطة تتم من خلال عقد جلسة أو جلسات للتسوية بين الأطراف ويباشر الوسيط أو الوسطاء، الذين يجب أن يكون عددهم فرديًا، هذا الأمر، وذلك من خلال مساعدة أطراف الوساطة للتوصل إلى حل للمنازعة، من خلال البدء بتحديد المسائل الخلافية محل المنازعة بين الأطراف، ثم البحث عن حلول للمنازعة واقتراح حلول على الأطراف من جانب الوسيط أو الوسطاء والتواصل مع أطراف الوساطة والعمل على الوصول إلى اتفاق تسوية لإنهاء المنازعة بشكل ودي بين الأطراف. وحظر القانون على الوسيط فرض أي حل للمنازعة على أي من أطرافها، إذ يكمن دوره في اقتراح الحلول ومساعدة الأطراف للتوصل إلى حل مُرضٍ لهم جميعًا. وقد منَح القانون للوسيط من الوسائل ما يمكنه من أداء دوره في مباشرة وإتمام الوساطة.
4- الشروط الواجب توافرها في الوسيط
لم يجعل القانون الباب مشرعًا على مصراعيه دون شروط لمن يرغب في ممارسة عمل الوساطة، وإنما وضع شروطًا معينة فيمن يباشر عمل الوسيط، وفرَّق القانون في هذا الصدد بين الشخص الطبيعي، والشخص المعنوي، فاشترط بالنسبة لأولهما شرطاً بديهياً، وهو توافر الأهلية الكاملة، وعدم سَبْق إدانته بحكم نهائي في جناية أو في جنحة متى كانت مُخلة بالشرف أو الأمانة حتى وإن كان قد رُد إليه اعتباره، واشترط توافر حُسن السُمعة والسِيرة، وأن يكون الوسيط من المشهود لهم بالنزاهة والحياد والخبرة، وألا يكون قد سبق عزله من منصبه بموجب حكم أو قرار تأديبي أو فصله من عمله أو شطبه من الجدول المقيد فيه أو أن يكون قد ألغي ترخيص مزاولة مهنته. وكل هذه الشروط متعارف على وجوب توافرها فيمن يتولون مثل هذه المهام، وإن كان من الأنسب أن يكون هناك تدريب على ممارسة مهام الوساطة وأن يشترط اجتياز فترة التدريب بنجاح قبل ممارسة المهام فعليًا، وقد نرى ذلك لاحقًا في قرارات المجلس الأعلى التنظيمية.
وبالنسبة للشخص المعنوي، فأجاز القانون أن يكون الوسيط شركة، ولم يُحدد نوع الشركة، ما يعني إنه من غير المحظور على أي نوع من أنواع الشركات ممارسة عمل الوساطة. وكذلك أجاز القانون ممارسة الوساطة من أي مؤسسة خاصة ذات نفع عام. واشترط القانون في الشركة لممارسة عمل الوساطة ألا يكون قد أُشهر إفلاسها بحكم نهائي، كما اشترط أن تتوافر في العاملين لديهما في الوساطة الشروط المنصوص عليهما بالنسبة للشخص الطبيعي من توافر الأهلية وحسن السمعة وغيرها من الشروط مما سبقت الإشارة إليه بالنسبة للشخص الطبيعي.
5- شكل اتفاق الوساطةوأثر وفاة أحد الأطراف على الاتفاق بعد تحريره
اتفاق الوساطة، كما أسلفنا، هو الاتفاق على الالتجاء إلى الوساطة لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو قد تنشأ بشأن علاقة قانونية محددة تعاقدية كانت أو غير تعاقدية. واشترط القانون أن يكون الاتفاق على الوساطة بين أطرافها، مكتوبًا، وإلا كان الاتفاق باطلًا، وعدَد القانون حالات اعتبار الاتفاق مكتوباً، ومنها إذا ورد الاتفاق في وثيقة مُوقعة من أطرافه، وكذلك إذا ورد الاتفاق في صورة رسائل ورقية كانت أو الكترونية بين الأطراف، أو في أي صورة أخرى تتم بوسائل الاتصال التي يمكن إثبات استلامها كتابةً.
لم يقف النص عند هذا الحد، بل إنه اعتبر أن الإشارة في عقد ما إلى وثيقة تتضمن شرط الوساطة بمثابة اتفاق وساطة في هذا العقد، ولكن ذلك مشروط بأن تكون هذه الإشارة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءً من العقد.
وفي شأن وفاة أحد أطراف الوساطة على اتفاقها بعد تحرير الاتفاق، فقد نص القانون على عدم انقضاء اتفاق الوساطة بوفاة أحد أطرافها، وبجواز الاستمرار في تنفيذ اتفاق الوساطة بواسطة أو ضد مَن يُمثل هذا الطرف الذي توفى بعد توقيع الاتفاق، وذلك ما لم يوجد نص تشريعي يقضي بانتهاء الحقوق الموضوعية أو الالتزامات بسبب الوفاة وما لم يتفق الأطراف على خلاف هذا الأمر.
6- إنشاء سجل قيد الوسطاء
أنشأ القانون سجلًا خاصًا لقيد الوسطاء سواء من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين، وأوكل إلى المجلس الأعلى للقضاء إصدار قرار بشأن تحديد شروط وضوابط وإجراءات القيد في السجل وفئات الوسطاء، وأجاز القانون أن يُقيد في السجل كوسطاء، أصحاب المهن الحرة والمهن التخصصية والمحكمون وغيرهم. حيث منح النص سلطة جوازية واسعة للمجلس لقيد مَن يرى قيده في سجل الوسطاء.
7- اختيار الوسيط من الأطرافوتعيين الوسيط من جانب المحكمة
أجاز القانون للأطراف اختيار وسيط أو أكثر بشرط أن يكون عددهم فرديًا إذا كانوا أكثر من واحد، وذلك من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين، وسواء من الأسماء المقيدة بسجل قيد الوسطاء أو حتى من غيرهم مِمَّن تتوافر فيهم شروط الوساطة المنصوص عليها في القانون، إذ لم يجعل القانون اختيار الوسيط حصريًا من سجل قيد الوسطاء وإنما أباح للأطراف وبحسب اتفاقهم اختيار وسيط أو أكثر من غير المقيدين بالسجل بشرط توافر الشروط المطلوبة فيهم. ويكون الاختيار بموجب اتفاق الوساطة المحرر بين الأطراف أو حتى بموجب اتفاق مستقل بينهم، وقد أحسن المشرع بإباحة ممارسة الوساطة من غير المقيدين، إذ قد يكون من بين هؤلاء مّن تتوافر بهم مهارات وقدرات كبيرة تساعد في إنجاح عملية الوساطة.
وإذا تعذَر اتفاق الأطراف على اختيار وسيط توافقيًا بينهم، يجوز لهم أن يطلبوا إلى المحكمة المختصة تعيين وسيط لكن في هذه الحالة يكون الوسيط المعين من المقيدين بسجل قيد الوسطاء، ووسيلة الأطراف في ذلك الطلب هو الأمر على عريضة.
8- التزامات وواجبات الوسيط ورده وتنحيه عن الوساطة وتعيين وسيط بديل
حظَر القانون على الوسيط بعد بداية الوساطة التي تبدأ بحسب القانون من تاريخ قبول الوسيط مهام الوساطة في نزاع معين، أن يكون عضوًا في هيئة تحكيمية أو قضائية أو أن يُبدي رأيًا أو أن يُدلي بشهادة بخصوص النزاع الذي عين وسيطًا فيه أو حتى في جزء من هذا النزاع.
ومن واجبات الوسيط خلال مباشرته الوساطة، الالتزام بمُراعاة مصالح الأطراف والعمل بحيادية واستقلال، والعمل على الوصول إلى تسوية للنزاع في أقصر فترة ممكنة. وللوسيط في سبيل ذلك التفاوض مع الأطراف بشكل مشترك أو بشكل مُنفرد مع كل طرف، وله الاستعانة بأهل الخبرة في المسائل الفنية. كما يكون للوسيط أن يُفصح عن المعلومات لطرفي النزاع متى لم يشترط الطرف المُفصِح على الوسيط معاملة هذه المعلومات بسرية وعدم الإفصاح عنها.
وعلى الوسيط خلال عشرة أيام من تاريخ اختياره أو تعيينه أن يقوم بإبلاغ الأطراف كتابةً بقبوله أو رفضه للقيام بمهام الوساطة. كما يلتزم الوسيط بالتنحي كتابةً عن الوساطة إذا طرأ بعد مباشرته للوساطة ما يؤثر على حياده أو استقلاله.
وقد أباح القانون رد الوسيط، وأجاز للأطراف الاتفاق على إجراءات الرد، وإذا لم يتفقوا على ذلك، يكون الرد من خلال تقديم طلب إلى المحكمة المختصة لتفصل في طلب الرد خلال خمسة أيام من تاريخ تقديمه. ويكون للمحكمة عند الحكم بالرد تقرير مستحقات الوسيط من أتعاب ومصاريف، وكذلك لها أن تقرر استرداد أتعاب أو مصاريف دفعت له.
وإذا تم رد الوسيط أو تنحى عن الوساطة أو عُزل منها انتهت مهمته، ويتم تعيين وسيط بديل بالإجراءات ذاتها المتخذة في تعيين الوسيط الذي انتهت مهمته. وبعد تعيين الوسيط البديل، يكون للأطراف الاتفاق على مدى سريان إجراءات الوساطة المتخذة قبل تعيين الوسيط البديل، فإذا لم يتم الاتفاق، يكون للوسيط البديل اتخاذ ما يراه مناسبًا في هذا الشأن.
وإذا تعذر على الوسيط القيام بمهامه أو لم يباشرها أو انقطع عن أدائها بما يؤدي لتأخير غير مبرر في إجراءات الوساطة ولم يتنح من تلقاء نفسه ولم يتفق الأطراف على عزله، جاز للمحكمة أن تأمر بإنهاء مهمته بناء على طلب الأطراف، ويكون قرار المحكمة في هذا الشأن نهائيًا غير قابل للطعن عليه بأي طريق، وهو ما يفهم منه أن الأطراف لهم الحق في التقدم إلى المحكمة بطلباتهم في هذا الشأن.
9- مدى إمكانية مُساءلة الوسيط عن أعماله
أحال القانون بشأن مساءلة الوسيط وتحديد إجراءات وضوابط هذه المساءلة والجزاءات التي يمكن توقيعها إلى قرار يصدر بهذا الشأن من المجلس الأعلى للقضاء. وجعل القانون عدم جواز مساءلة الوسيط هي الأصل، إلا إنه أجاز هذه المساءلة متى ثبت أن ممارسة الوسيط لمهام الوساطة كان عن سوء نية أو تواطؤ أو إهمال جسيم. وحيث جاءت هذه الحالات فضفاضة دون تحديد، نأمل أن يتناولها قرار المجلس بشيء من التفصيل.
10- الوساطة عن طريق طلب من المحكمة وإجابة المحكمة لطلب الأطراف باللجوء إلى الوساطة في أي مرحلة من مراحل التقاضي
مَنح القانون محكمة الموضوع عند نظر الدعوى، ودون تحديد لأي مرحلة من مراحل نظر الدعوى، أن تطلب من الأطراف تسوية النزاع بطريق الوساطة خلال أجل تحدده. وأعطى القانون للأطراف الحق في قبول هذا الأمر أو رفضه. فإن قبلوا إجراء الوساطة وتمت التسوية بموجب وساطة، يتم توثيق اتفاق التسوية وفق الإجراءات المحددة في شأن توثيق الاتفاق وبعد ذلك تُقرِر المحكمة استبعاد الدعوى من الجدول لانتهاء الخصومة فيها.
أما إذا اعترض أي من الأطراف على طلب المحكمة بالتسوية عن طريق الوساطة، فيكون على المحكمة أن تستمر في نظر الدعوى أمامها. ونرى أنه كان من الأنسب أن تُلزم المحكمة بإحالة الدعوى لدائرة أخرى في هذه الحالة.
كذلك أعطى القانون الأطراف في أي مرحلة من مراحل التقاضي وقبل حجز الدعوى للحكم، الحق في طلب إحالة النزاع لتسويته عن طريق الوساطة. وعلى المحكمة حينها إجابة الأطراف إلى طلبهم وتأمر بوقف الدعوى وإحالة النزاع للتسوية من خلال الوساطة.
11- الدفع بالوساطة أمام المحكمة في شكل الدفع بعدم قبول الدعوىمع جواز اتخاذ تدابير تحفظية أو مؤقتة من جانب المحكمة
أعطَى القانون الحق للمدعى عليه الذي تُرفع عليه دعوى في نزاع يوجد بشأنه اتفاق وساطة أن يدفع أمام المحكمة بعدم قبول الدعوى، وتقضي المحكمة بعدم قبولها متى لم يثبت أن الاتفاق على الوساطة باطل أو لاغٍ أو عديم الأثر أو لا يمكن تنفيذه أو أن الوساطة انتهت بين الأطراف ولم تُفضِ لاتفاق خلال المدة المحددة في اتفاق الوساطة. وللمحكمة كذلك أن تقضي بتغريم مُقيم الدعوى عند القضاء بعدم قبولها لوجود اتفاق وساطة في النزاع، بغرامة تساوي ضعف رسوم إقامة الدعوى. وفي كل الأحوال، فإن رفع الدعوى في هذه الحالة لا يحول دون البدء أو الاستمرار في إجراءات الوساطة.
وأجاز القانون للمحكمة أن تأمر بناء على طلب أحد الأطراف باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية سواء كان ذلك قبل البدء أو أثناء إجراءات الوساطة، ولا يعتبر ذلك تنازلًا من الطالب عن التمسك باتفاق الوساطة.
12- عواقب عدم الالتزام بمُخرجات الوساطة
أعطَى القانون للمحكمة السلطة في مُجازاة الطرف الذي لم يلتزم باتفاق التسوية الذي تم بناء على الوساطة وقبل اللجوء للقضاء، وذلك بتغريم ذلك الطرف بالغرامة التي لا تقل عن ألف ريال ولا تجاوز عشرة آلاف ريال وبما لا يتجاوز ربع قيمة الدعوى ولو صدر الحكم لصالح ذلك الطرف. كذلك يُمكن للمحكمة إلزام ذلك الطرف بسداد ما قيمته خمسة أضعاف رسوم الدعوى، وبما لا يجاوز مبلغ عشرين ألف ريال وكذلك أية مصروفات أو تعويضات تقررها المحكمة.
13- المدة المقررة لانتهاء الوساطةوالأتعاب المستحقة للوسيط
حدد القانون مدة ثلاثين يوم عمل من تاريخ بدء إجراءات الوساطة، كمدة على الوسيط يجب ينتهي خلالها من أعمال الوساطة، ويكون له مَد هذه المدة لمدة أخرى شرط موافقة الأطراف على ذلك. ولم يتضمن النص أي جزاء على مخالفة أو تجاوز المدة، وهو ما يمكن اعتبار المدة المذكورة مدة تنظيمية يمكن تجاوزها طالما لم يعترض الأطراف. ونرى أنه كان من الأنسب أن يُمنح الوسيط مدة أطول من ذلك ليتمكن من إتمام مهامه بالشكل المطلوب، وخصوصاً في حالات النزاعات المعقدة أو ذات التفاصيل الفنية الدقيقة.
وفيما يخص أتعاب الوسيط، فيتم تحديدها بالتراضي بين الأطراف. وتُستحق الأتعاب حتى وإن لم يتم التوصل إلى تسوية. وإذا لم يتم الاتفاق على الأتعاب، يكون تقديرها من جانب المحكمة بناء على عريضة يقدمها الوسيط أو أحد أطراف الوساطة. وتأخذ المحكمة في تقدير الأتعاب ما بذله الوسيط من جهد في عملية الوساطة. كما يلتزم الأطراف بتحمل أي مصروفات مطلوبة لأداء الوسيط لمهامه. ولا يتضمن النص ما يمنع الوسيط من أن تكون أتعابه تعادل نسبة معينة من قيمة النزاع، وإن كان من الأفضل أن يتم النص على عدم جواز تجاوز نسبة معينة من هذه القيمة كأتعاب للوسيط.
14- يترتب على الوساطة وقف المدد المقررة للسقوط والتقادم
نَصَ القانون على ترتيب آثار قانونية مهمة على بدء إجراءات الوساطة، حيث يترتب على ذلك وقف المدد المقررة قانونًا لسقوط وتقادم الحقوق ولرفع الدعوى. وتظل هذه المدد متوقفة لحين انقضاء الوساطة، وهو ما يعني أن الوساطة لن تؤثر على سقوط أو تقادم الحقوق أو الدعوى وتتوقف كل المدد لحين انتهاء الوساطة، ومن ثم تعود للسريان.
15- تحرير اتفاق التسوية
أوجَب القانون على الوسيط تحرير اتفاق التسوية كتابةً خلال أسبوع من تاريخ التوصل لهذا الاتفاق سواء كان كليًا أو جزئيًا. ويجب أن يشتمل اتفاق التسوية المُحرَر من جانب الوسيط على أسماء الأطراف وبياناتهم وعناوينهم، وبيان رقم الدعوى حال وجود دعوى، وبيان اسم الوسيط وبياناته وعنوانه، وبيان اسم أي شخص آخر يجب الحصول على موافقته على اتفاق التسوية. ويجب أن يتضمن الاتفاق مُلخَص لموضوع النزاع محل الوساطة. وفي حال تعيين خبير، يلزم بيان اسمه وما أبداه من رأي في الموضوع، وكذلك بيان مُفصَل لما تم الاتفاق عليه بين الأطراف.
ويلزم لنفاذ الاتفاق بحسب القانون توقيع الاتفاق من جانب الوسيط والأطراف وممن يتطلب موضوع النزاع موافقته. ويكون لكل طرف وللوسيط نسخة أصلية من اتفاق التسوية. ونرى أنه لا يوجد ما يمنع أن يكون التوقيع من أي من وكلاء الأطراف بشرط أن تكون الوكالة محددة ومتضمنة لهذا الحق في الحضور والتوقيع ومباشرة أعمال الوساطة.
16- إيداع وتوثيق اتفاق التسوية
بعد توقيع اتفاق التسوية وخلال مدة لا تتجاوز أسبوع من التوقيع على النحو المشار إليه أعلاه، يلتزم الوسيط بإيداع نسخة أصلية من اتفاق التسوية واتفاقية تعيين الوسيط وموافقته على القيام بالوساطة لدى قلم كتاب المحكمة.
ويُقدم طلب توثيق اتفاق التسوية إلى المحكمة من الأطراف أو من أحدهم أو من جانب الوسيط. وعلى المحكمة أن تصدر قرارها بتوثيق اتفاق التسوية خلال سبعة أيام من تاريخ تقديم طب التوثيق إليها.
وبعد توثيق اتفاق التسوية، يكون له قوة السند التنفيذي، بحيث يمكن اللجوء بموجبه إلى التنفيذ الجبري، ولا يجوز الطعن على الاتفاق بعد توثيقه بأي طريق من طرق الطعن.
وللمحكمة أن ترفض توثيق اتفاق التسوية إذا كان مخالفًا للقانون أو للنظام العام، أو كان قد تم عن طريق الغش أو التدليس، أو بسبب فقدان أحد أطراف النزاع أهليته، أو إذا كان موضوع النزاع مما لا يجوز فيه الصلح، أو لاستحالة تنفيذ أحد بنود الاتفاق. وسكت القانون عن إمكانية الطعن على قرار المحكمة برفض توثيق اتفاق التسوية من عدمه، وكان ينبغي معالجة هذه المسألة حتى لا تكون مثار خلاف وجدل، وإن كنا نرى عدم تحصن هذا القرار وإمكانية الطعن عليه من أصحاب الشأن.
17- عدم جواز إثارة مرة أخرى موضوع اتفاق التسوية أمام المحاكم(حجية الاتفاق)
أعطَى القانون حجية لاتفاق التسوية المُوَثَق، بحيث يمتنع إعادة إثارة موضوع هذا الاتفاق أمام المحكمة، وإن حدث ذلك من أي من الأطراف، تقضي المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، بموجب اتفاق التسوية المُوَثَق، مع تغريم الطرف مُقيم الدعوى غرامة تعادل عشرة أضعاف رسم الدعوى على ألا تقل الغرامة عن عشرين ألف ولا تزيد عن خمسين ألف. وفي حالة تعدد المدعين، تُقسم الغرامة بينهم بالتساوي. وهذا الحكم يتماشى مع الهدف من الوساطة باعتبارها طريق بديل يترتب على إتمامه حسم النزاع.
18- انتهاء إجراءات الوساطة
نص القانون على انتهاء إجراءات الوساطة بتوقيع الأطراف على اتفاق التسوية، وكذلك بإخطار أحد أو كل أطراف النزاع للوسيط كتابةً بعدم رغبتهم في الاستمرار في إجراءات الوساطة، وكذلك بانقضاء المدد المقررة للانتهاء من أعمال الوساطة دون التوصل لحل للنزاع.
وكذلك تنتهي بالإنهاء المبكر للوساطة، إذا تبيَّن للوسيط بعد التشاور مع الأطراف، عدم وجود جدوَى للاستمرار في إجراءات الوساطة.
وإذا تعذَّرت تسوية النزاع وديًا عن طريق الوساطة، لأي سبب كان، جاز لأي طرف إقامة الدعوى أمام المحكمة.
19- سرية إجراءات الوساطة ووجوب عدم الإفصاح عن المناقشات والمداولات
أوجَب القانون أن تكون جميع المداولات والمناقشات والعروض والمفاوضات والمستندات المتعلقة بالوساطة سرية. وحظَر القانون على الوسيط أو للطرف الذي تم الإفصاح له بأي مما سبق أن يفصح عنها للمحكمة أو للغير من دون موافقة الطرف المُفصِح. ومن هذه الأمور التي يحظر الإفصاح عنها طلب عقد الوساطة والطرف الذي طلبها وما يتعلق بذلك من مراسلات أو مكاتبات أو أوراق، وكذلك ما يتعلق بقبول طلب الوساطة بالآراء والاقتراحات المقدمة من قبل الأطراف، والاقرارات والاعترافات الصادرة عن أي طرف في سياق إجراءات الوساطة، والمداولات بين الأطراف أو مع الوسيط، ومقترحات الوسيط، وما يفيد استعداد أي طرف لقبول اقتراح التسوية، وأي وثيقة معدة للاستعمال خلال إجراءات الوساطة.
وقرر القانون جزاءً لمخالفة هذه الالتزامات، حيث وضع غرامة مقدارها عشرين ألف ريال على المُخالِف أو نسبة خمسة بالمائة من قيمة النزاع أيهما أكبر بشرط ألا يتجاوز مبلغ الغرامة مائة ألف ريال.
وأوجب القانون على المحكمة التي تم الإفصاح أمامها بالمخالفة للقانون أن تُحيل النزاع إلى دائرة أخرى مجردًا من أية أمور تم الإفصاح عنها بالمخالفة للقانون الذي يوجب عدم الإفصاح. وتضمن القانون النص على إنه ليس لأي محكمة عند نظر الدعوى أن تعتد بما تم الإفصاح عنه بالمخالفة لأحكام القانون.
واستثناءً من حظر الإفصاح، أجاز القانون للطرف المُفصَح له أو للوسيط، الإفصاح للمحكمة عن أي من الأمور المذكورة أعلاه في حالات معينة، وهي إذا ثبت أن الأمر المفصح عنه كان معروفًا قبل بدء الوساطة دون الاخلال بشرط السرية إذا كان مفروضًا وفق قانون أو اتفاق آخر. وكذلك إذا صدر حكم من المحكمة يلزم الأطراف بالإفصاح للأسباب المتعلقة بحماية أمن الدولة والأشخاص والممتلكات ولمنع وقوع جريمة أو إذا كان الأمر متعلقًا بجرائم غسل الأموال أو تمويل الإرهاب.
وكذلك إذا كان الإفصاح قد تم لمحامٍ بهدف الحصول على رأيه القانوني، ولا يجوز للمحامي في هذه الحالة استخدام ما أُفصح له به إلا لإبداء رأيه القانوني.
وكذلك في حال طلب أحد الأطراف حل النزاع بطريق الوساطة ولم يرد عليه الطرف الآخر، جاز لمن طلب أن يفصح للمحكمة عن طلبه وعدم رد الطرف الآخر، وكل ذلك قبل مباشرة الوساطة.
كما يجوز لكل طرف من أطراف النزاع أن يُفصِح عن الأمور المذكورة أعلاه، وذلك في سبيل إثبات أو نفي ادعاء يخص عدم حيادية أو استقلالية الوسيط أو ارتكابه لخطأ جسيم أو مُتعمَد. وعندها تنظر المحكمة في ذلك الادعاء وتُقرِر بشأنه، وتحيل النزاع إلى دائرة أخرى مجرداً من أية أمور تم الإفصاح عنها بالمخالفة للقانون. ولا يجوز للمحكمة الاعتداد بما تم الإفصاح به لإثبات أو نفي أي أمر في الدعوى المنظورة أمامها.
ولكن، وحسب القانون، لا يوجد ما يمنع المحكمة من أن تأخذ بأي أدلة تم استخدامها أثناء الوساطة. ونرى أن هذه العبارة قد تثير اللَبس بين ما يمكن أن تستند إليه المحكمة وما لا يمكنها أن تستند إليه، وكان من الأجدر تحديد هذه الأمور بشكل أكثر دقة ووضوح.
وفي حال جواز الافصاح وفق ما حدده القانون، فإنه يكون بالقدر اللازم لإثبات سببه، ويجوز للمحكمة أن تقيد الإفصاح أو أن تصدر أمرًا بما يجب ان يتضمنه الإفصاح.
20- اعتماد استخدام الوسائل الالكترونية في إجراءات الوساطة
أجاز القانون مباشرة الوساطة واتخاذ كافة إجراءاتها بالوسائل الالكترونية، وتكون لهذه الوسائل الحجية ذاتها المقررة للإجراءات الكتابية، وهو أمر يتماشى مع الهدف من الوساطة باعتبارها وسيلة بديلة وسريعة وغير معقدة لحل وتسوية المنازعات.
كانت هذه أهم ملامح قانون الوساطة في تسوية المنازعات المدنية والتجارية، والتي عرجنا عليها في شكل مقال وصفي لما تضمنه القانون من أحكام، والأمل معقود في أن تلعب الوساطة بعد صدور هذا القانون، دورها المأمول في تحقيق مزيد من المرونة في حل المنازعات بشكل ودي وفعَّال بما يُسهِم في تأكيد نجاح ومستقبل الوسائل البديلة لحل المنازعات.