INSIGHTS
التعليق على حكم محكمة التمييز في الطعن رقم ٤٤٨ لسنة ٢٠٢٠ تمييز مدني
December 28, 2020

كتابة:
أ. أشرف الفيشاوي، شريك
أرست الدائرة المدنية بمحكمة التمييز من خلال حكمها الصادر بجلسة
4/11/2020 في الطعن رقم 448 لسنة 2020 تمييز مدني، مبدئاً هاماً في خصوص ارتباط الحكم بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم بالعقد الناشئ عنه المطالبة محل الدعوى، ولو تم تقديمه في مرحلة لاحقة على صدور الحكم الابتدائي.
حيث انتهت المحكمة إلى أن المشرع أجاز للخصوم أن يغيروا سبب الدعوى أمام محكمة الاستئناف، وأن يضيفوا إليها أسباباً أخرى لم يسبق طرحها أمام محكمة أول درجة، مع بقاء الطلب الأصلي على حاله. وأنه يجوز بذلك للخصوم تقديم ما لديهم من أدلة وأوجه دفاع جديدة، بجانب ما سبق تقديمه لمحكمة أول درجة.
وأن تقديم العقد الناشئ عنه المطالبة محل الدعوى أمام محكمة الاستئناف لأول مرة، وهو غير متضمن لشرط التحكيم، والدفع بأن العقد المقدم أمام محكمة أول درجة كسند للمطالبة والوارد به شرط التحكيم الذي بنت عليه محكمة أول درجة حكمها بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم، لم يكن هو العقد الناشئ عنه تلك المطالبة، يعد دفاعاً جوهرياً، يترتب عليه إلغاء هذا الحكم، وعدم تصدي محكمة الاستئناف لهذا الدفاع يعيب الحكم، وعليه انتهت المحكمة إلى تمييز هذا الحكم.
وقد كانت هذه الدعوى مقامة من أحد الشركات كمقاول من الباطن في أحد المشاريع، بطلب إلزام شركة أخرى كمقاول رئيسي لهذا المشروع، بأن تؤدي لها مستحقاتها المترصدة لها نظير ما قامت به من أعمال العقد محل الدعوى، وبالتعويض عن تأخرها في سداد مستحقاتها، مع الرسوم والمصاريف.
وقد أسست تلك الشركة دعواها على أنها أبرمت مع المقاول الرئيسي اتفاقية مقاولة من الباطن لتوريد عمالة برقم محدد، وملحق عقد تأجير المعدات برقم آخر بخصوص نفس المشروع، وأنها قامت بتنفيذ أعمالها، وقدمت الفواتير الدالة على ذلك، إلا أن المقاول الرئيسي تخلف عن السداد بحجة عدم استلام مستحقاته من مالك المشروع، وقد ترصد في ذمته مبلغ المطالبة محل الدعوى، ومن ثم فقد اقامت الدعوى للمطالبة بتلك المستحقات.
وقد تداولت الدعوى بالجلسات، أمام محكمة أول درجة حتى أصدرت حكمها الذي قضت فيه بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم، فقامت الشركة المدعية بالطعن عليه بالاستئناف، وقررت بأنها قدمت العقد الوارد به شرط التحكيم أمام محكمة أول درجة بالخطأ، وأن العقد الصحيح الناشئ عنه المطالبة لا يوجد به شرط تحكيم، وقدمت نسخة من هذا العقد، وذكرت أن رقمه هو الوارد بالفواتير محل المطالبة دون العقد الآخر، الذي يتعلق بأعمال أخرى بنفس المشروع.
وقد التفتت محكمة الاستئناف عن هذا الدفاع، ولم ترد عليه، وانتهت إلى القضاء برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، فقامت الشركة المستأنفة بالطعن عليه بالتمييز، تأسيساً على أنها دفعت باختلاف العقد المقدم إلى محكمة أول درجة الوارد به شرط التحكيم، عن العقد الناشئ عنه المطالبة ويخلو من شرط التحكيم، والذي قدمته أمام محكمة الاستئناف، وأن هذا الدفع جوهري ويتغير به وجه الرأي في الدعوى، إذ كان يتعين على محكمة الاستئناف بحثه والرد عليه برد سائغ، إلا أنها لم تبحث كلياً هذا الدفاع، واكتفت بتأييد الحكم الابتدائي لأسبابه، وهو الأمر الذي شاب الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب للإخلال بحق الدفاع، بعدم بحث هذا الدفاع الجوهري، بما طلبت معه الطاعنة القضاء بتمييزه.
حيث استقرت محكمة التمييز على أن: (“إغفال الحكم الرد على دفاع جوهري يتغير به وجه الرأي في الدعوى قصور مبطل.”)
وفي نفس المعنى قضت محكمة التمييز بأن: (“المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن إغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه بطلانه إذا كان هذا الدفاع جوهرياً ومؤثراً في النتيجة التي انتهى إليها، إذا يعتبر ذلك الإغفال قصوراً في أسبابه الواقعية ويترتب عليه البطلان.”)
ونصت المادة 126 من قانون المرافعات على أنه:(“يجب أن يكون الحكم مشتملاً على الأسباب التي بني عليها وإلا كان باطلاً. ويجب أن يبين في الحكم المحكمة التي أصدرته، وتاريخ إصداره ومكانه، وأسماء القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا في الحكم وحضروا تلاوته، وأسماء الخصوم وألقابهم وصفاتهم وموطن كل منهم وحضورهم وغيابهم. كما يجب أن يشتمل الحكم على عرض مجمل لوقائع الدعوى، ثم طلبات الخصوم، وخلاصة موجزة لدفوعهم ودفاعهم الجوهري، ثم تذكر بعد ذلك أسباب الحكم ومنطوقه. والقصور في أسباب الحكم الواقعية والنقص أو الخطأ الجسيم في أسماء الخصوم وصفاتهم، وكذا عدم بيان أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم يترتب عليه بطلان الحكم.”)
وقد انتهت عدالة محكمة التمييز إلى تقدير هذا السبب من أسباب الطعن، وانتهت في قضائها بتمييز الحكم المطعون فيه وبإعادة القضية إلى محكمة الاستئناف لتفصل فيه من جديد، على أساس العقد الخالي من شرط التحكيم، لأنه هو الناشئ عنه المطالبة محل الدعوى.
وخلاصة المبدأ الجديد الذي قررته محكمة التمييز في القضاء محل التعليق يتمثل في النقاط الآتية:
(1) أن قضاء المحكمة بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعقد الوارد به شرط التحكيم، كأساس للمطالبة في الدعوى.
(2) أن الخطأ في تقديم عقد يشتمل على شرط تحكيم أمام محكمة أول درجة، ويصدر الحكم على أساسه بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم، لا يمنع الخصوم من تقديم عقد مغاير له يخلو من شرط التحكيم ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف كسند لذات المطالبة.
(3) أن تمييز الحكم القاضي بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم، يقتضي إعادة القضية لمحكمة الاستئناف بهيئة مغايرة للتي أصدرت الحكم، للفصل في الموضوع، حيث لا تكون الدعوى صالحة للفصل فيها أمام محكمة التمييز.