INSIGHTS
جواز الطعن بالصورية على الأحكام القضائية في ضوء المبدأ الذي أرسته محكمة التمييز في الطعن رقم 624/2023 تمييز مدني
August 30, 2023

كتبه: دكتور أشرف الفيشاوي , شريك بمكتب سلطان العبدالله ومشاركوه.
أرست محكمة التمييز مبدأً هاماً في خصوص مدى جواز الطعن بالصورية على الأحكام القضائية. ومفاد هذا المبدأ أنه يجوز الطعن بالصورية على الأحكام القضائية، التي تصدر في خصومة وهمية اتخذت شكل الخصومة الحقيقية، وصدرت فيها إقرارات من الخصوم أثبتها الحكم، وبنى قضائه عليها، وهي في الواقع إقرارات صورية كانت بهدف الإضرار بالغير.وفي سياق هذا المبدأ أكد الحكم على أن تكييف الدعوى من المسائل القانونية التي تخضع فيها محكمة الموضوع لرقابة محكمة التمييز، التي لها في هذا الصدد أن تعطي الوقائع الثابتة تكييفها القانوني الصحيح، وأن محكمة الموضوع ملزمة في كل حال بإعطاء الدعوى وصفها الحق، دون تقيد بتكييف الخصوم لها في حدود سبب الدعوى، والعبرة في التكييف لا بالألفاظ التي صيغت فيها الطلبات، ولا بحرفية عباراتها، وإنما بما عناه المدعي منها، مع الأخذ في الاعتبار بما يطرحه واقعاً ومبرراً لها.
وأن تطبيق القانون على وجهه الصحيح لا يتوقف على طلب الخصوم، بل هو واجب القاضي الذي عليه من تلقاء نفسه أن يبحث عن الحكم القانوني المنطبق على الوقائع المطروحة عليه، وأن ينزل عليها هذا الحكم أياً ما كانت الحجج القانونية التي استند إليها الخصوم في تأييد طلباتهم أو دفاعهم، وهو في ذلك لا يتقيد بما يسبغونه على الوقائع من وصف قانوني معين، وأن مخالفة القاضي لوصف الخصوم لا يعتبر تغييراً منه لسبب الدعوى ولا موضوعها، طالما أنه التزم الوقائع المطروحة عليه.
وأن النص بالفقرة الأولى من المادة 174 من القانون المدني الذي يقرر بأنه: (“لدائني المتعاقدين وللخلف الخاص لكل منهما، أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذي أضر بهم. كما أن لهم، متى كانوا حسني النية، أن يتمسكوا بالعقد الصوري …”)، يدل على أنه يجوز لكل صاحب مصلحة أن يطعن بالصورية على العقد أو التصرف أو الاتفاق المبرم بين المتعاقدين، الذي لم يكن طرفاً فيه، بما في ذلك الدائن الشخصي لأي منهما، ما دام هذا التصرف قد أضر به، أو يؤدي إلى إضعاف الضمان العام لمدينه. وأن دعوى الصورية شأنها شأن باقي الدعاوى والطرق التي قررها الشارع في التقنين المدني والتي تستهدف المحافظة على الضمان العام للدائنين.
وأنه إذا كانت القاعدة أن الحكم القضائي متى صدر صحيحاً يظل منتجاً لآثاره، فيمتنع بحث أسباب العوار التي تلحقه إلا عن طريق اتخاذ طرق الطعن المناسبة، إلا أنه استثناءً من هذا الأصل العام، يجوز في بعض الصور رفع دعوى بطلان أصلية أو الدفع بذلك، كما في حالة تجرد الحكم من أركانه الأساسية، فشابه عيب جوهري جسيم يصيب كيانه ويفقده صفته كحكم، ويحول دون اعتباره موجوداً منذ صدوره، فلا يستنفد القاضي سلطته، ولا يرتب الحكم حجية الأمر المقضي.
وأنه نفس الشيء يكون في حالة صورية الأحكام، التي كما ترد على العقود والاتفاقات سواء العرفية أو الرسمية، ترد أيضاً على الأحكام القضائية، لا سيما أحكام رسو المزاد التي لا تتعدى مهمة القاضي فيها مجرد مراقبة استيفاء الإجراءات الشكلية ثم إيقاع البيع لمن يظهر أن المزاد قد رسا عليه، وكذلك الأحكام المبنية أساساً على الإقرار أو الصلح، والتي يقتصر دور القاضي فيها على إلحاق عقد الصلح المبرم بين طرفي الخصومة بمحضر الجلسة، أو القضاء فيها بناءً على إقرار المدعى عليه، والذي لا يعدو أن يكون إلا حجة قاصرة على المقر نفسه، لا حجة متعدية، فتنتفي هذه الحجية إذا ثبتت صورية هذا الإقرار، وما دامت الصورية المدعى بها على الحكم أو العقد الرسمي لا تتعلق بما أثبته القاضي في حكمه أو الموثق في العقد الرسمي، من بيانات تدخل في نطاق مهمته وأثبتها بنفسه، أو إجراءات أو وقائع وإقرارات تمت أمامه، والتي لا يجوز الطعن عليها إلا بطريق التزوير. أما مضمون الإقرار نفسه وموضوعه، ومدى صحته، فيجوز لصاحب المصلحة أن يثبت صوريته بطرق الإثبات المقررة قانوناً.
وأنه لما كانت وقائع الدعوى التي طرحتها الطاعنة بحسب حقيقتها ومرماها، فإن تكييفها القانوني الصحيح هو صورية حكمين صدرا في خصومة وهمية اتخذت شكل الخصومة الحقيقية للإضرار بالضمان العام للشركة المطعون ضدها المدينة للطاعنة بموجب حكم تحكيم. ودللت الطاعنة على ذلك بما انتهى إليه تقرير لجنة خبراء من عدم وجود دليل على صحة الدين محل الحكمين، فإنه يكون مخالفة الحكم المطعون فيه لهذا الواقع والتكييف الصحيح في غير محله، ويشوب الحكم بعيب مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، بما انتهت معه محكمة التمييز إلى تمييز هذا الحكم.
وكانت وقائع هذا الطعن تخلص في أن الطاعنة كانت قد أقامت الدعوى الابتدائية كاعتراض الخارج عن الخصومة بالاعتراض على حكمين صدرا بإثبات مديونية إحدى الشركات المدينة للطاعنة، وذلك بموجب صحيفة طلبت في ختامها الحكم بتقرير عدم حجية الحكمين بالنسبة للطاعنة. وقالت الطاعنة شرحاً لدعواها بأنه صدر لصالحها حكم تحكيم ضد المطعون ضدها الثالثة في دعوى تحكيمية، حيث قضى الحكم بإلزام الأخيرة بأداء مبلغ يربو على 92 مليون ريال قطري، وأنه تم تسجيل دعوى لتنفيذ حكم التحكيم. وخلال مباشرة إجراءات تلك الدعوى التنفيذية، وبعد استنفادها وسائل الطعن القانونية على حكم التحكيم لجأت المطعون ضدها الثالثة لأساليب ووسائل أخرى حاولت إلباسها ثوباً قانونياً لكن من خلال التحايل والغش والتواطؤ بينها وبين باقي المطعون ضدهم، إذ قامت بطريق الغش والتواطؤ بين الشركاء فيها وممثليها من المدراء باختلاق مديونية وهميّة لصالح الشريك غير القطري فيها بمبلغ يزيد على 75 مليون دولار أمريكي (أي ما يزيد على 270 مليون ريال قطري)، وذلك بهدف تهريب أموال المطعون ضدها الثالثة واضعاف ائتمانها، وبما لا يمكن الطاعنة من التنفيذ على أموالها. وقد تم ذلك من خلال رفع دعوى للمطالبة بالدين المختلق، وحضر الأطراف وأقروا بالدين، وصدر الحكم بالإلزام للمطعون ضدها الثالثة بناءً على هذا الإقرار، ولم يتم الطعن على هذا الحكم وصار باتاً، وتم رفع دعوى تنفيذية به، التي تم الحجز بموجبها على أموال المطعون ضدها في حدود هذا الدَين الوهمي. كما قامت المطعون ضدها الثالثة كذلك بافتعال دين وهمي بنزاع آخر مع شركة أخرى، ومثلت المطعون ضدها الثالثة بالجلسة الأولى وأقرَّت بالدَين، تماماً على غرار ما فعلت في الدعوى الأخرى، فصدر الحكم بإلزامها بالدَين الوهمي المطالب به، وانقضى أجل الاستئناف دون أن تطعن على ذلك الحكم، ثم شرعت الشركة المحكوم لصالحها بالتنفيذ عليها.
وأضافت الطاعنة أنه لما كان هذا المسلك يعد من قبيل التحايل والغش وإساءة استعمال حق التقاضي، وبهدف الإضرار بالضمان العام للطاعنة كدائن للمطعون ضدها الثالثة، الأمر الذي أقامت معه الطاعنة دعواها للحكم لها بطلباتها سالفة البيان.
وتداولت الدعوى بالجلسات أمام عدالة محكمة أول درجة، وبجلسة 30/1/2020، أصدرت المحكمة حكمها المستأنف والذي قضى في منطوقه بعدم قبول الاعتراض في مواجهة المدعى عليهم من الرابع إلى السابع، وبعدم جواز الاعتراض في مواجهة بقية المدعى عليهم، وفي الطلب العارض برفضه وإلزام المدعية بالمصاريف.
ولمَّا كان هذا الحكم قد جاء مخالفاً للقانون ومشوباً بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في فهم صحيح الواقعة والاخلال الجسيم بحق الدفاع، لذا فقد طعنت عليه الطاعنة أمام عدالة محكمة الاستئناف، والتي قضت بجلسة 15/3/2023، بالرفض وتأييد الحكم المستأنف.
فقامت الطاعنة بالطعن عليه بالتمييز سالف الذكر، والذي قضت فيه محكمة التمييز، بالقبول وبتمييز الحكم المطعون فيه.
وقد أشارت محكمة التمييز في حكمها بهذا الطعن، إلى أن اختلاق الدين الوهمي بالحكمين محل الاعتراض، وتمسك الطاعنة بعدم الاعتداد بحجيتهما ضدها، هو بمثابة طعن بالصورية عليهما، وأن تلك الصورية يجوز التمسك بها على الأحكام القضائية التي تصدر بناءً على غش وتواطؤ في خصومة وهمية الهدف منها إضعاف الائتمان الخاص بالمدين، بما يحق معه للدائن التمسك بهذه الصورية، ويكون النعي على الحكم في محله.
وخلاصة هذا الحكم أنه يجوز الطعن بالصورية على الأحكام القضائية، التي تصدر في خصومة وهمية اتخذت شكل الخصومة الحقيقية، وصدرت فيها إقرارات من الخصوم أثبتها الحكم، وبنى قضائه عليها، وهي في الواقع إقرارات صورية كانت بهدف الإضرار بالغير. وأنه لا يجوز التمسك بهذه الصورية على الأحكام التي تصدر بناءً على ما أثبته القاضي بنفسه في حكمه من بيانات تدخل في نطاق مهمته، أو إجراءات أو وقائع تمت أمامه، والتي لا يجوز الطعن عليها إلا بطريق التزوير. أما مضمون الإقرار نفسه وموضوعه، ومدى صحته، فيجوز لصاحب المصلحة أن يثبت صوريته بطرق الإثبات المقررة قانوناً.
وهذا القضاء من المبادئ الحديثة لمحكمة التمييز، التي تغلق الباب في وجه التحايل على القانون، ومحاربة الغش والفساد في الخصومة.
Share this news
© Copyright 2022 Sultan Al-Abdulla & Partners
The Qatar Central Bank (“QCB”) announced amendments to the real estate financing (mortgage) regulations, including setting out the maximum loan-to-value (“LTV”) ratios and tenures for mortgages within the State of Qatar, which will be applied to Qatari banks and subsidiaries within the country. Branches and subsidiaries of Qatari banks outside the State of Qatar will continue to comply with the host country’s regulatory authorities as long as the collaterals and financed properties are outside of Qatar.