كتابة: طه راشد – مستشار أول
ريناد حسيبا – باحثة قانونية
أكدت محكمة التمييز القطرية في حكمين حديثين على ما استقر لديها كمبدأ قضائي من القضاء ببطلان الطعن بالتمييز لعدم إيداع الكفالة خلال المدة القانونية المقررة للطعن، وذلك حين قضت بتاريخ 19/3/2024 في الطعن رقم 242 والطعن رقم 247 لسنة 2024 مدني ببطلان الطعنين مع مصادرة الكفالة، لتأخر الشركة الطاعنة في إيداع كفالة الطعنين المقررة خلال مدة الطعن.
وتخلص وقائع الطعن الأول في أن الشركة الطاعنة لم ترتضِ الحكم الصادر من محكمة الاستئناف بتاريخ 27/11/2023 في الاستئناف رقم 2544 لسنة 2016 مدني، فقامت بتاريخ 25/1/2024 عبر الموقع الرسمي للمحاكم بتقديم طلب تسجيل الطعن خلال ال 60 يوماً المقررة للطعن بالتمييز. وبعد جاهزية الطعن على النظام الإلكتروني للمحاكم وقبوله وتحويله للدفع، قامت الشركة الطاعنة بتاريخ 29/1/2024 بسداد رسوم وكفالة الطعن، وقيد الطعن بالتمييز برقم 242 لسنة 2024 مدني. وقد تحدد لنظره جلسة 19/3/2024 بغرفة المشورة للبت في مدى جديته. وبذات الجلسة قضت محكمة التمييز ببطلان الطعن بالتمييز لعدم إيداع كفالة الطعن بالتمييز خلال المدة المقررة للطعن، مسببةً في حيثيات حكمها “المقرر- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن النص في المادة الخامسة من القانون رقم 12 لسنة 2005 على أنه “يجب على الطاعن أن يودع خزانة المحكمة، عند تقديم صحيفة الطعن، على سبيل الكفالة مبلغ عشرين ألف ريال، إذا كان الحكم المطعون فيه صادراً من محكمة الاستئناف….” يدل على أن المشرع قد أوجب في حالات الطعن بالتمييز إجراء جوهرياً لازماً هو إيداع الكفالة، التي حدد مقدارها خزانة المحكمة عند إيداع صحيفة الطعن بالتمييز أو خلال أجله. فإذا لم يفعل فإن الطعن يكون باطلاً. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد صدر بتاريخ 27/11/2023، وإن كانت صحيفة الطعن قد أودعت خلال الأجل في 25/1/2024، إلا أن الطاعنة تراخت في إيداع الكفالة -أياً كان وجه الرأي في سبب التراخي- إلى يوم 29/1/2024 بعد انقضاء أجل الطعن بالتمييز المقرر قانوناً؛ فلا تملك المحكمة إلا التقرير ببطلان الطعن”.
كما تخلص وقائع الطعن الثاني في أن ذات الشركة الطاعنة لم ترتضِ حكم محكمة الاستئناف الصادر بتاريخ 27/11/2023 في الاستئناف رقم 686 لسنة 2022 مدني، فقامت بتاريخ 25/1/2024 بتقديم طلب تسجيل الطعن. وبتاريخ 30/1/2024 قامت الشركة الطاعنة بسداد رسوم الطعن وإيداع الكفالة، وقيد الطعن برقم 247 لسنة 2024 مدني. وقد تحدد لنظره جلسة 19/3/2024 بغرفة المشورة. وبها قضت المحكمة ببطلان الطعن بالتمييز لعدم إيداع الكفالة خلال المدة المقررة للطعن، مسببةً في حيثيات حكمها ذات ما ورد بحكمها الصادر بالطعن الأول بأن الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ 27/11/2023، وإن كانت صحيفة الطعن قد أودعت خلال الأجل في 25/1/2024، إلا أن الطاعنة تراخت في إيداع الكفالة -أياً كان وجه الرأي في سبب التراخي- إلى يوم 30/1/2024 بعد انقضاء أجل الطعن بالتمييز المقرر قانوناً؛ فلا تملك المحكمة إلا التقرير ببطلان الطعن.
وبالنظر إلى حيثيات الحكمين المشار إليهما سلفاً، نجد بأن محكمة التمييز القطرية قد انتهت إلى تأكيد مبدأ وجوب سداد وإيداع كفالة الطعن بالتمييز خلال الأجل القانوني المحدد للطعن، وأن الخروج عن ذلك –ورغم الإيداع الفعلي للكفالة- يقتضي القضاء ببطلان الطعن.
وبهذا القضاء، تكون محكمة التمييز قد عدّلت عما استقرت عليه سابقاً من أن العبرة بتاريخ تسجيل الدعوى وليس بتاريخ سداد الرسوم وأن أداء الرسم لا يعُد شرطاً لقبول الدعوى[1].
كما أن هذا القضاء فيه عدول عما استقر لدى محكمة التمييز في طعون مختلفة قضت فيها بقبول الطعن شكلاً حال استيفاء كافة مقررات الطعن بالتمييز اللازمة لقبوله قبل غلق باب المرافعة وحجز الطعن للنطق بالحكم كتقديم سند وكالة لمحامي مقبول لدى محكمة التمييز، بالرغم من نص المادة السادسة من القانون رقم ١٢ لسنة 2005 التي أوجبت أن تقدم الشركة الطاعنة سند الوكالة عند تقديم صحيفة الطعن. وعلى الرغم من وضوح النص فإن محكمة التمييز أرادت ألا تضيق في حق التقاضي وأن تعطي مقدم الطعن الفرصة لاستيفاء متطلبات طعنه حتى لا يضار الطاعن ويحكم ببطلان طعنه لإجراء شكلي دون الفصل في موضوع الحق الخاص به [2].
كذلك، يترتب على هذا القضاء العدول عما استقر من عدم جواز القضاء بالبطلان متى تحققت الغاية من الاجراء الوارد بصريح نص المادة رقم 16 من قانون المرافعات المدنية والتجارية [3] فيكون البطلان المترتب على ما يشوب الإجراء من عيب إنما يكون في الحالات التي لا تتحقق الغاية منه، فإذا ما تحققت الغاية من الإجراء فلا محل للحكم بالبطلان [4].
وباستقراء النص القانوني محل المادة الخامسة من القانون رقم 12 لسنة 2005 والوارد بمتن الحكمين، نجد أن المادة المذكورة قد أوجبت على قلم كتاب محكمة التمييز ألا تقبل صحيفة الطعن بالتمييز حال عدم وجود ما يثبت إيداع الكفالة المقررة للطعن دون تحديد مدة زمنية لذلك.
ونظراً لما هو معلوم لكافة المشتغلين من أن إجراءات تسجيل الطعون على النظام الإلكتروني للمحاكم قد أصبحت تتطلب مجموعة من الإجراءات والتي قد تستغرق عدة أيام تتمثل في تقديم مستندات الطعن للفحص من القسم الفني وهي الفترة التي يكون خلالها طلب التسجيل (بانتظار التعيين للمراجعة) ثم يتم تحويل حالة طلب التسجيل من المختصين بالنظام إلى حالة (بانتظار الدفع) لمدة عشرة أيام يتم بعدها قيد الطعن، وتلك الإجراءات لا سلطان لمقدم الطعن عليها، فإنه قد يكون من المناسب أن يتدخل المشرع القطري لتنظيم هذه المسألة بنصوص صريحة في ضوء المستجدات التي طرأت على نظام تسجيل الدعاوى والطعون أمام المحاكم.
[1]”أداء الرسم. لا يعُد شرطاً لقبول الدعوى. المادتان 31، 32 مرافعات. عدم سداد الرسم. أثره. جواز استبعاد القضية من الجدول. م 529 مرافعات. عدم اعتبار ذلك سبباً لبطلان إجراءات رفع الدعوى. مخالفة الحكم المطعون فـيه هذا النظر وقضاؤه بسقوط الحق فـي الاستئناف لرفعه بعد الميعاد معتداً بتاريخ سداد الرسم والقيد فـي سجل القضايا. خطأ فـي تطبيق القانون.”(محكمة التمييز، الدائرة المدنية والتجارية، رقم 201/2012، بتاريخ 5/2/2013
[2] وإذ كان ذلك وكان الميعاد المحدد في المادة السابقة ليقدم فيه المطعون ضده مستنداته ومذكرة دفاعه هو عشرة أيام من تاريخ إعلانه بصحيفة الطعن وهو ميعاد يعتبر قصيراً بالقياس إلى ميعاد الطعن بالتمييز بما يلزم معه درءاً لإعنات الخصوم وإرهاقهم ومساواة للمطعون ضده بالطاعن أن يُبقي تقديم سند وكالة المطعون ضده لمحاميه مقبولاً إلى حين حجز الطعن للحكم مع الحفاظ على الأجل الذي حددته المادة 11 سالفة الذكر لتقديم ما عدا ذلك من أوراق.” (حكم تمييز قطري، الأحكام المدنية، الطعن رقم 3 لسنة 2008 قضائية، الدائرة المدنية والتجارية، بتاريخ 18/3/2008)
[3] نصت المادة 16 من قانون المرافعات المدنية في فقرتها الثانية على أن: (“ولا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق لغاية الإجراء”)
[4] حكم تمييز قطري، الأحكام المدنية، الطعن رقم 76 لسنة 2011 قضائية، الدائرة المدنية والتجارية، بتاريخ 16/6/2011