Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

التعليق على تعديلات قانون العقوبات القطري بموجب القانون رقم 14 لسنة 2024

كتابة: طه راشد – مستشار أول

          رزان الحواش – مستشارة

يتسم قانون العقوبات عن غيره من القوانين الأخرى بسرعة مواكبة التغيرات والتطورات الحديثة، والتي تختلف بطبيعة الحال وحسب الضرورات المُستحدثة في المجتمع، للوصول لأقصى فاعلية ممكنة في تحقيق الغرض العقابي الرادع والمانع لانتشار الجريمة، في ظل السياسة العقابية الحديثة المعروفة بترشيد العقاب.

وفي إطار الجهود المستمرة لاستكمال النهضة التشريعية، قام المشرع القطري بإصدار القانون رقم 14 لسنة 2024 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، الذي صادق عليه سمو الأمير المفدى بتاريخ 1 سبتمبر 2024، وقد تم نشره في الجريدة الرسمية – العدد الرابع عشر – بتاريخ 17 أكتوبر 2024.

وبالنظر إلى التعديلات التي تضمنها القانون، نجد أن المشرع قد أضاف أفعالاً جديدةً أدخلها ضمن الدائرة العقابية وأفرد العقاب المناسب لها. كما تناول المشرع تعديلاً لبعض العقوبات المنصوص عليها سابقاً، بحيث تضمن القانون تعديلاً للعقوبات الأصلية والتكميلية، وذلك بتغليظ بعض العقوبات المالية والسالبة للحرية وتخفيض بعضها الآخر. وقد تناول التعديل النصوص الواردة بالفقرة الأولى من المادة 86، والمواد أرقام 308، 309، 311، 312، والفقرة الأولى من المادة 134، والمادة 139، والفقرة الثانية من المادة 201، والمادة 333 من قانون العقوبات.

وبمطالعة التعديلات التي أستحدثها المشرع في قانون العقوبات، نجد أنه أضاف مواد تتضمن جرائم جديدة، حيث أضاف بموجب التعديل الجديد نص المادة 139 مكرر بخصوص جريمة دخول الدولة أو الخروج منها بطريقة غير مشروعة، وجعل العقوبة تشمل الفاعل الأصلي والمساهم أيضاً في تسهيل ارتكابها بطريق المساعدة بأي طريقة في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكاب هذه الجريمة، وقرر لها عقوبة سالبة للحرية وهي الحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات، وأيضاً عقوبة مالية بـالـغـرامـة الـتـي لا تزيد على مائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتُضاعف العقوبات في حال كان الجاني متهمًا بجريمة أو صدر بحقه عـقـوبـة أو أمر بالقبض أو منع السفر أو منع الدخول. ويهدف هذا التعديل إلى دعم حماية حدود الدولة وتعزيز الأمن الوطني.

وأخيراً فقد تم إضافة جرائم جديدة وفق التعديل الجديد في فقرات المادة 333 مكرر، والتي جرّم المشرع فيها الأفعال التالية:
1- التقاط أو نقل صور أو مقاطع فيديو لفرد أو أفراد في مكان عام، عن طريق جهاز أياً كان نوعه، بقصد استخدامها في الإساءة أو التشهير.
2- التقاط أو نقل صور أو مقاطع فيديو للمصابين أو المتوفين في الحوادث، عن طريق جهاز أياً كان نوعه، في غير الأحوال المصرح بها قانوناً.

وقد أُضيفت الأفعال المبينة سلفاً ضمن الأفعال المحظورة التي تمثل انتهاكاً لحرمة الحياة الخاصة، وقرر لها المشرع عقوبة سالبة للحرية وهي الحبس مدة لا تجاوز سنتين، وعقوبة مالية وهي الغرامة التي لا تزيد على (10.000) عشرة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. ويعكس هذا التعديل الحرص على حماية الخصوصية الشخصية ومنع أي استغلال غير قانوني للمعلومات الخاصة.

أما العقوبات التي تم تعديلها سواء بالتغليظ أو التخفيض، فهي العقوبة الخاصة بجريمة بحرمان صاحب المهنة الحرة من مزاولة مهنته -الصادر بحقه حكم في جناية متعلقة بمزاولة عمله- والمنصوص عليها في المادة رقم 68 (فقرة أولى من القانون)، وذلك بتخفيض مدة عقوبة الحرمان من مزاولة المهنة من 10 سنوات إلى 7 سنوات فقط. حيث أنه وبموجب التعديل المتقدم منح المشرع القاضي صلاحية منع مزاولة المهنة لكل من يرتكب جناية أثناء ممارسته لمهنة قانونية تتطلب ترخيصًا. يشمل ذلك الممارسات التي تشكل إخلالًا بواجبات المهنة، ونرى بأن مدة 10 سنوات كانت قاسية وفيها حرمان شديد لصاحب مهنة من الممكن أن تكون مصدر الدخل الوحيد له أو لمن يعوله. كما أن مدة 7 سنوات تكفي بالقدر اللازم للردع، ما يعزز المصداقية والمهنية في مختلف التخصصات ويضمن حماية الأفراد من أي ممارسات غير قانونية.

وكذلك، فقد تم تعديل أحكام المادة 134 (فقرة أولى)، حيث شدد المشرع العقوبة السالبة للحرية المقررة بحق كل من يعتدي على سمو أمير البلاد بأي شكل من الأشكال الخارجة عن القانون والمخالفة لعادات وتقاليد المجتمع. فقد رفع عقوبة الحبس المقررة لتصل إلى سبع سنوات بعد أن كانت خمس سنوات. وفي ذلك التشديد الردع اللازم لضمان احترام دور ومكانة سمو الأمير، رمز الدولة، وحماية المكانة الدستورية العليا المنوطة بشخص سموه.

وأما بخصوص المادتين 308 و309 المتعلقتان بجريمة الاعتداء على سلامة الجسد فقد تم تعديل العقوبات فيهما بتشديد العقوبة المالية قيمة الغرامة (10,000) عشرة آلاف ريال قطري بالفقرة الأولى من المادة 308 لكـل مـن اعتدى عـمـداً عـلـى سـلامـة جسم غيره بأي وسيلة، وأفضى الاعتداء إلى مرضه، أو عجزه عن أعماله الشخصية مدة تزيد عـلـى عشرين يوماً لتزداد عقوبة الغرامة لتصبح مبلغ (50,000) خمسون ألف ريال قطري. كما تناول التعديل بتلك المادة رفع الغرامة المقررة بالفقرة الثانية من (15,000) خمسة عشر ألف ريال قطري لتصبح الغرامة مبلغ (75,000) خمسة وسبعون ألف ريال قطري إذا كان الـفـعـل صـادراً عـن سبق إصرار أو تــرصـد، أو مـن أكـثـر مـن شـخـص. وقد تم تشديد عقوبة الغرامة المقدرة بمبلغ (5,000) خمسة آلاف ريال قطري في المادة 309 لكـل مـن اعـتـدى عـمـداً عـلـى جـسـم غيره بأي وسيلة، ولم يبلغ الاعتداء درجة الجسامة المنصوص عـلـيـهـا فـي المـادتـين 307 و308 من قانون العقوبات لتكون عقوبة الغرامة الجديدة مبلغ (25,000) خمسة وعشرون ألف ريال قطري.

وقد تناول التعديل المذكور مقدار الغرامة المقررة لجريمة الاعتداء على سلامة الأفراد وحقوقهم الجسدية. فقد شدد التعديل العقوبات على من يعتدي عمدًا على سلامة الآخرين، حيث تتفاوت العقوبات بحسب مستوى الضرر الناتج عن الاعتداء ولموائمة مقدار العقوبة المالية وفق القيمة السوقية بالمجتمع حالياً. ويهدف هذا التعديل إلى حماية حقوق الأفراد الجسدية، مع التركيز على الجسامة التي تصل بها الأفعال إلى مستوى يهدد الصحة العامة للمجتمع.

فضلاً عما تقدم، فقد أضاف التعديل الجديد عقوبات تكميلية في أحكام المادة 311 بأن رفع مقدار عقوبة الغرامة المقررة من مبلغ (10,000) عشرة ألاف ريال قطري لكـل مـن تسبب بخطئه فـي مـوت شخص بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعـاة الـقـوانـيـن أو الـلـوائـح لتكون عقوبة الغرامة الجديدة مبلغ (50,000) خمسون ألف ريال قطري. كما أضاف المشرع بموجب التعديل عقوبة مالية بالفقرة الثانية بغرامة مقدارها (20,000) عشرون ألف ريال قطري مع عقوبة الحبس المقررة، وجعلها المشرع عقوبة اختيارية تخضع للسلطة التقديرية للقاضي في حال عفا ولي الدم أو قـبـل الـديـة‏.

كما تم تعديل أحكام المادة 312 من القانون بأن شددت عقوبة الغرامة المقدرة بمبلغ (1,000) ألف ريال قطري الواردة بالفقرة الأولى لكـل من تسبب بخطئه فـي الـمـسـاس بـسـلامـة شخص، بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله، أو رعونته، أو عدم احترازه، أو عدم مراعـاة الـقـوانـيـن أو اللوائح لتكون عقوبة الغرامة الجديدة مبلغ (5,000) خمسة آلاف ريال قطري. وقد تناول التعديل بتلك المادة رفع الغرامة المقررة بالفقرة الثانية من مبلغ (5,000) خمسة آلاف ريال قطري لتصبح الغرامة الجديدة مبلغ (15,000) خمسة عشر ألف ريال قطري إذا نشأ عن الجريمـة عـاهـة مـسـتـديـمـة. وأضاف المشرع بموجب التعديل عقوبة مالية غرامة (1,000) ألف ريال بجانب العقوبة السالبة للحرية المقررة “الحبس” وجعل منهما عقوبة اختيارية تخضع للسلطة التقديرية للقاضي في حال عـفـا الـمـجـنـي عـلـيـه أو ولـيـه أو قـبـل الأرش‏.

وفي خلاصة القول، نرى بأن التعديلات محل التعليق تهدف إلى تعزيز سيادة القانون واحترام الأنظمة القانونية وحماية رموز الدولة، وتركز على حماية الأفراد والمجتمع من الاعتداءات غير المشروعة سواء كانت بدنية أو معنوية، مما يترتب عليه دعم الاستقرار في المجتمع، تأكيداً على التزام دولة قطر بتطوير تشريعاتها بما يعزز من سيادة القانون واحترام الحقوق.