Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

جريمة الامتناع عن التنفيذ في قانون التنفيذ القضائي الجديد رقم 4 لسنة 2024

كتابة: أشرف الفيشاوي – شريك

            عائشة العماري – مستشار خارجي

            شدو إبراهيم – باحث قانوني

تعد جريمة الامتناع عن التنفيذ من المسائل التي اهتم بتنظيمها المشرع القطري في قانون التنفيذ القضائي الجديد رقم 4 لسنة 2024، نظراً لما تنطوي عليه من تأثير مباشر على تحقيق العدالة وإنصاف الحقوق. ففي ضوء قانون التنفيذ القضائي القطري الجديد، تتجلى أبعاد جريمة الامتناع عن التنفيذ وإخفاء الأموال المنفذ عليها والامتناع عن تسليمها بوضوح أكبر، حيث شهدت النصوص القانونية المنظمة لهذه الجريمة تعديلات مهمة وجوهرية، أظهرها الواقع العملي، استوجب معها تدخل المشرع القطري لتوسيع وشمولية المحظورات الواجب على المحكوم عليه عدم مخالفتها، وفرض عقوبات أكثر ردعاً وشدةً مقارنة بالعقوبات المنصوص عليها سابقاً في نصوص الكتاب الثالث من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1990 الملغي.

حيث يعتبر كل فعل من المنفذ ضده يحول دون حصول المحكوم له على حقوقه والامتناع عن التنفيذ من أبرز التحديات التي تواجه النظام القضائي في تحقيق العدالة، حيث أن العدالة لا تتحقق بمجرد صدور حكم نهائي لصالح المحكوم له، بل تتحقق كاملةً عند تنفيذ هذا الحكم. فيؤدي عدم تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم إلى فقدان الأفراد ثقتهم في النظام القضائي. لذلك اهتم المشرع القطري بالتصدي لهذه المسألة بصرامة، فاعتبرها جريمة تستوجب تنفيذ العقوبة على كل من يرتكبها لتأمين التنفيذ العادل للأحكام، ونظمها بأحكام تفصيلية منصوص عليها في الفصل السابع عشر من القانون.

حيث أورد نص المادة 105 من القانون العقوبة واجبة التطبيق وحالات تطبيقها، ومن أبرز التعديلات الواردة في هذا النص زيادة الحد الأقصى للحبس لمرتكب تلك الجرائم من مدة ثلاثة أشهر المنصوص عليها سابقاً في قانون المرافعات إلى مدة ثلاث سنوات حالياً، مما يعكس اتجاه المشرع القطري إلى التشديد على مرتكب تلك الجريمة تقديراً لآثارها على سير العدالة. بالإضافة إلى ذلك، استحدث المشرع إمكانية فرض غرامة تصل إلى 100,000 ريال قطري، رغم أن النصوص الملغاة في قانون المرافعات لم تكن تسمح للقاضي بفرض أي غرامات سابقاً. وقد أجاز تطبيق كلتا العقوبتين في نفس الوقت، مما يعزز من فعالية الردع. ومن رأينا أن هذه التعديلات الصارمة ستساهم في منع المماطلة في التنفيذ وضمان تنفيذ الأحكام القضائية بشكل سلس ومقبول.

وقد أورد النص المذكور بالقانون الحالات التي تطبق فيها العقوبات المشار إليها، وهي ثلاث حالات:

الحالة الأولى: إذا امتنع المنفذ ضده عن تنفيذ الأوامر والقرارات الصادرة من المحكمة دون عذر مقبول، بعد إعلانه بها.
الحالة الثانية: إذا ارتكب المنفذ ضده فعلاً من شانه عرقلة التنفيذ، أو تعمد تهريب أو إخفاء أمواله أو التصرف فيها لتوقي التنفيذ عليها، منذ تاريخ إعلانه بطلب التنفيذ، وتطبق ذات العقوبة على كل من يسهل له أو يساعده في ذلك.
الحالة الثالثة: إذا امتنع عن تسليم المحكمة ما لديه من أموال للمنفذ ضده، رغم إعلانه بذلك أو بعد الإعلان عن اعسار المنفذ ضده.

ويلاحظ أن الحالة الأخيرة تتناول تجريم غير المنفذ ضده، وهو أي شخص سواء طبيعي أو معنوي يكون لديه أموال للمنفذ ضده، ويتم إعلانه من المحكمة للحجز عليها وتوريدها، أو تم الإعلان عن اعسار المنفذ ضده، فيمتنع عن ذلك، وهنا تقوم الجريمة في حقه.

ومن المسائل الجوهرية الأخرى التي استحدثها القانون الجديد هو أن المشرع لم ينص على أي شروط مسبقة لتنفيذ عقوبة الحبس، على عكس النصوص السابقة، حيث كان المشرع القطري يشترط تحقق شروط معينة قبل تنفيذ العقوبة على المنفذ ضده، ومنها أن يثبت لقاضي التنفيذ أن المنفذ ضده قادر على الوفاء بما حكم به عليه، كما كان يستلزم من القاضي أن يصدر أمراً للمنفذ ضده بالوفاء قبل أن يتاح له أن يحكم عليه بحبسه. أما في القانون الجديد، فقد ألغى المشرع هذه الشروط المسبقة، مما خفف عن المنفذ له عبء الإثبات، وهو ما نتفق معه، لأنه من المفترض أن ينتهي دور المنفذ له في الإثبات بمجرد انتهاء تداول الدعوى أمام قاضي الموضوع. كما زاد القانون الجديد من سلطة القاضي التقديرية بإزالة الشرط الذي كان لا يسمح للقاضي أن يحبس المنفذ ضده إلا بتوفره، وهو أن يطلب منه المنفذ له بذلك.

وقد منح قانون التنفيذ القضائي الجديد لرئيس المحكمة أو من ينيبه سلطة التصالح في هذه الجريمة مع مرتكبيها قبل تحريك الدعوى الجنائية أو أثناء تداولها، ولكن قبل الفصل فيها بحكم نهائي من المحكمة. ومع ذلك وضع المشرع شروطاً لجواز إجراء الصلح. فأجاز المشرع الصلح في حالة واحدة فقط، وهي أن يكون مرتكب الجريمة قد أزال سبب تطبيق العقوبة عليه، كأن يسدد المنفذ ضده المبالغ المحكوم عليه بها. بالإضافة إلى ذلك، نص القانون على وجوب وجود مقابل للصلح يتمثل في سداد مبلغ 50,000 ريال قطري، أي نصف الحد الأقصى للغرامة المنصوص عليها. ويترتب على هذا الصلح، عدم جواز تحريك الدعوى الجنائية ضد مرتكب الجريمة، أو انقضاء الدعوى في حال قد تم تحريكها بالفعل، مما يعطي فرصة للمنفذ ضده في توقي تطبيق العقوبة عليه.

في الختام، يمثل قانون التنفيذ القضائي الجديد رقم 4 لسنة 2024 نقلة نوعية في النظام القضائي القطري، من خلال إدخال تعديلات جوهرية تهدف إلى تعزيز فعالية تنفيذ الأحكام القضائية وضمان تحقيق العدالة وإنصاف الحقوق. فقد تميزت النصوص الجديدة المنظمة لجريمة الامتناع عن التنفيذ بالصرامة من جهة عن طريق تشديد العقوبة لمواجهة المماطلة في التنفيذ، والمرونة من جهة أخرى والمتمثلة في السلطة الممنوحة للمحكمة في تحريك الإجراءات الجنائية من نفسها وبمنحها سلطة للصلح. وتعكس تلك التعديلات التزام المشرع بتطوير المنظومة القضائية بما يتماشى مع متطلبات العدالة الناجزة وحماية حقوق أصحاب الحقوق.